بسم الله الرحمن الرحيم عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. لم تكن وزارة الزراعة مركز جذب أو بؤرة اهتمام لدى عامة الناس . ونادرا ما تجد من الناس من يعرف من يرأسها من الوزراء فهى آخر اهتماماتهم فى التشكيل الوزارى خلال الحقب المختلفة ، وظلت لوقت طويل فى عهد الانقاذ تراوح مكانها فى قلة أضافتها للدخل القومى أو ميزان الصادرات عموما، جعل ذلك رئيس تحرير صحيفة السودانى الأستاذ ضياء الدين بلال يصفها فى حوار له مع المتعافى ذات مرة بأنها "وزارة عقابية يتم تسكين بعض القيادات فيها ومن ثم يعاد تعيينهم فى مناصب أخرى" . وكتب عنها الاستاذ أبشر الماحى ذات مرة فى عموده المقروء "ملاذات" بأنها كانت فى الغالب "يؤلف بمقعدها حزب أو كادر لم يجد حظه فى بقية الوزارات" معترفا فى المقال نفسه بأن كثيرا من الاعلاميين دخل وزارة الزراعة وعرف موقعها للمرة الأولى بعد تعيين المتعافى وزيرا لها. جاء المتعافى وزيرا للزراعة فى العام 2009 بعد سجل انجازات ضخم للرجل فى ولاية الخرطوم - كنا قد قلبنا بعض صفحاته فى المقال السابق - فغدت الزراعة تتصدر مانشيتات الأخبار والصحف السيارة، وعنصرا جاذبا لكتاب الأعمدة واهتمامات السياسيين والزراعيين وتعليقاتهم ، وقل أن تجد مجلسا اعلاميا أو سياسيا لا يتداول قضية الزراعة ابان عهد الرجل فيها، ولا غرب فاللرجل كاريزما خاصة تصنع الأحداث وتحدث الحراك وتخلف الجدل. كان للرجل شعور بتحد كبير لاحداث اختراق فى هذا الملف سيما أن الجميع يعلمون انصراف الدولة عن الزراعة واهمالها بعد أن استخرجت النفط وعاشت سنوات نضرات تحت سكرته ما أفاقها من ذلك الا انفصال الجنوب وذهابه بما يقارب 75% من عائداته. ومن يعرف المتعافى جيدا يعلم تماما أن تعيينه وزيرا للزراعة لم يكن وليد الصدفة أو من باب التسكين المؤقت أو الترضيات الذى تمارسه الحكومات أحيانا: فاللرجل ارتباط وثيق جدا واهتمام غير عادى بالأرض والانتاج والزراعة وذلك لممارسته اياها منذ تخرجه من الجامعة وحتى قبل ذلك بكثير منذ أن كان فى المدرسة الريفية الوسطى بالدويم. حتى دراسة الرجل للطب لم تكن بمنأى عن علوم الزراعة وفنونها وتوفرت للمتعافى معلومات كثيرة عن الزراعة وأساليبها كانت محل تندر واعجاب لدى كثير من الزراعيين الذين كان يظن بعضهم أن الرجل قد درسها وتخرج من كليتها. مكث المتعافى فى وزارة الزراعة أربعة سنوات لم تكن كافية لاحداث التغيير الذى كان ينشده بالرغم من وضعه للمنصات الأساسية التى كانت ستؤدى حتما للانطلاق بهذا الملف واحداث اختراق فيه ليرجع سيرته الأولى. يشهد الكثيرون ممن عملوا مع الرجل فى وزارة الزراعة بأنه يعد من أفضل الوزراء الذين مروا عليها خلال سنوات الانقاذ ذلك للفهم المتقدم الذى جاء يحمله الرجل للنهوض بالزراعة والحراك الذى أحدثه وشهدته الزراعة عموما أبان توليه لها. منذ أن ولى المتعافى ملف الزراعة ما فتئ يحدث الناس بأن من ينشدون تغييرا سريعا فى الزراعة انما يحرثون فى بحر ويجرون خلف سراب : ذلك أن احداث اختراق فى هذا الملف يحتاج لصبر غير قصير ، مستشهدا فى ذلك بتجربة أكبر دولتين منتجتين للغذاء فى العالم وهما الصين والهند . حتى فى أحسن التجارب التى شهدت نهضة زراعية حقيقية كلفها ذلك ما بين تسع الى عشر سنوات ، ذلك أنك فى الزراعة تنشد تغيير سلوك قرابة الخمسة عشر مليون زراعى واقناعهم بأساليب جديدة وتقانات حديثة لم يعهدوها طيلة عملهم فى الزراعة. فالزراعة ليست عملا كالانشاءات أو الأعمال الأخري التى لا تحتاج لطويل وقت أو صبر يتجاوز عد السنين. شخص المتعافى علات الزراعة بداية عهده فيها فى عدد من المقعدات الأساسية والتى شملت ولم تكن حصرا على : تدنى الانتاجية وذلك لعدم استخدام البذور المحسنة ، وقلة التمويل المتوفر للزراعة ، وعدم استخدام التقانات الحديثة ، وقلة التسميد وانعدامه أحيانا ، وارتفاع اسعار المدخلات الزراعية ، وكذلك فشل الادارات الحكومية فى ادارة العملية الزراعية عموما. استحدث المتعافى بداية عهده فى الزراعة أساليب جديدة فى أدارة المشاريع الزراعية بالبلاد وذلك باشراك القطاع الخاص فى ذلك مستندا على النظرية المعروفة فى الادارة ( الشراكة بين القطاعين العام والخاص Public Private Partnership) مما أدى لدخول شركات مثل كنانة فى شراكة مع المزارعين فى مشروعي الرهد والسوكى وشركة هارفست فى شراكة أيضا مع المزارعين فى عدد من المشاريع الزراعية فى ولاية النيل الأبيض وكذلك شركة ايرانية متخصصة فى الزراعة فى مشروع حلفا الزراعى . أدى ذلك فى مجمله الى زيادة المساحات الزراعية الى أكثر من الضعف وكذلك تحسين بنيات الري الأساسية من حفر وصيانة الترع الأساسية وصيانة الطلمبات وزيادة الانتاج فى عدد من المحاصيل فى كثير من هذه المشاريع. ولم تكن تخلو التجربة أيضا من بعض الفشل فى انتاج بعض المحاصيل لعوامل عدة الا أن مجملها كان لصالح المزارع الذى توفرت له المياه وكذلك دخول أراض زراعية جديدة لم تستغل قبل دخول هذه الشراكات. وفى ما يلى التقانات الحديثة واستخدام البذور المحسنة ، قامت وزارة الزراعة فى عهد المتعافى بالدخول فى شراكات كذلك مع شركات أجنبية من البرازيل والأمارات وايران واستراليا وباكستان فى ولايات السودان المختلفة كان حصاد ذلك كله حدوث اختراق حقيقي فى معدلات الانتاج التى لم تشهدها البلاد من قبل وذلك فى محاصيل القطن والأرز وزهرة الشمس والذرة الشامية والقمح والأعلاف عموما ، وبقى فقط أن تعمم التجربة على نطاق واسع وأن تدعم ، الا أن قلة التمويل المتوفر للزراعة لم يكن كافيا حينها وكذلك ذهاب المتعافى من الزراعة كان أعجل من أن يتم تعميم هذه التجارب . قاد الرجل جهدا ضخما مع الحكومة ووزراء ماليتها لزيادة سقف التمويل المخصص للزراعة ومانجح فى توفيره من تمويل كان أكثر مما توفر لعدد من وزراء الزراعة الذين سبقوه الا أنه كذلك لم يكن كافيا فى بلاد تبلغ كلفة فاتورة ما تستورده من غذاء بمليارى دولار تقريبا وتقوم بتمويل الزراعة بمبلغ ثلاثين مليون دولار فقط لا تفى فى الغالب به كله. ومما توفر من تمويل قام الرجل بشراء عدد غير مسبوق من الآليات الزراعية والتراكتورات وتوفيرها للمشاريع الزراعية المختلفة فى البلاد ولم تبق ولاية لم ينلها نصيب من هذه الآليات مما ساهم فى فك اختناقات الرى ، وتحضير الأراضى وتسطيحها وزراعتها والمساعدة فى عمليات الحصاد . اشاع الرجل كذلك ثقافة استخدام السماد بكل أنواعه فى جميع لقاءته بالمزارعين وتطوافه المستمر على المشاريع الزراعية ودعمهم فى ذلك ، وقد رأى المزارعون كيف أن ذلك ساهم فى رفع الانتاجية بصورة لم يعهدوها من قبل. وقد يتبادر الى ذهنك أخى القارئ سؤال محورى عن مشروع الجزيرة وأين هو من ذلك كله؟ قام المتعافى بادخال حوالى ثلاثمائة آلية زراعية من حفارات ولودرات وتراكتورات وزراعات وأجهزة تسطيح بالليزر وغيرها عبر شركات الخدمات المتكاملة فى مشروع الجزيرة مما يعد أكبر عدد من الآليات يتوفر للمشروع منذ نشأته. ساهم ذلك فى عملية الري بالمشروع وحل جميع اشكالاته والتى أقعدت بالمشروع كثيرا . كان مزارعوا المشروع قبل توليه الوزارة يجأرون بالشكوي التى لا تنقطع عن العطش ونضوب الترع الاساسية والفرعية ونمو الحشائش ووجود الطمي المعيق للري بها. غادر الرجل وزارة الزراعة ولم تكن هناك شكوي واحدة من عطش أصاب أى جزء فى المشروع ولم نسمع حتى بعد رحيله عن أى شكوي فى الصحف من عطش أصاب المشروع. وانتشرت كذلك مراكز نقل التقانة فى عدد من أجزاء المشروع وقام الرجل كذلك بادخال عينات من البذور المحسنة في القطن، وزهرة الشمس، والقمح(الذى قيل بفساد تقاويه عندئذ ويتم حصده الآن بمعدلات انتاج هلل لها الجميع) مما أدى الى معدلات انتاج غير مسبوقة لم يعهدها مزارع الجزيرة من قبل كان قد أشار اليها الصحفى الكبير الاستاذ البونى فى عموده المقروء بصحيفة السودانى والذى كان عنوانه كافيا لما حواه ( تذكر المتعافى فى ذكرى عبود). قاد الرجل جهدا جبارا أثناء توليه لوزارة الزراعة مع عدد من الشركات المحلية والاجنبية فى انتاج الأعلاف والتى تدر عملة صعبة لخزينة البلاد ، فتم انشاء أكبر مشروع لانتاج الاعلاف بالولاية الشمالية فى شراكة مميزة مع شركة جنان للاستثمار الأماراتية والذى صار مركز جذب لكثير من الاستثمارات العربية ومضرب مثل فى استخدام التقانات الحديثة فى الزراعة والرى وقبلة للزوار ممن ينشدون قصص النجاح للاستثمار الأجنبى فى البلاد. كان كل ذلك الجهد كافيا لوضع اللبنات الأساسية للانطلاق بالزراعة فى البلاد واعادتها سيرتها الأولى لو قدر للرجل الاستمرار على رأس الوزارة ولو لم يزج بالرجل فى صراعات لم يكن له شأن بها مثل قضايا التقاوى الفاسدة (التى لم تكن فى عهده) ،والقطن المحور وراثيا (المجاز والموصي به من قبل هيئة البحوث الزراعية)، والحملات الشعواء الجائرة والمدفوعة الأجر التى قادتها بعض الصحف والصحفيين عن الرجل ( سآتى الى تفصيل ذلك كله فى مقال لاحق ان شاء الله) ممن تتضررت مصالحهم من وجوده على رأس هذا الملف وممن كان يرون فى المزارع بقرة حلوبا يشتري قيمة مدخلاته الزراعية منهم بأضعاف ثمنها. وكذلك ممن كسد سوق تجارتهم فى المدخلات الزراعية بعد ادخال القطن المحور وراثيا وكذلك من بعض السياسيين الكبار من المقربين والمدافعين عن هذه الشركات. من يعرف المتعافى جيدا يعلم تماما أن من يقول بفساده هم الفاسدين أنفسهم الذين كان لهم الرجل بالمرصاد فى فضح حقائقهم وفى وقوفه فى مصلحة المزارعين ضدهم وضد شركاتهم. اجتهد الرجل غاية الاجتهاد فى احداث اختراق كبير فى الزراعة وأخذت ابتكارات الحلول وعمل التجارب المتعددة لعدد من المحاصيل الزراعية ، واشاعة الثقافة الجديدة فى أساليب الزراعة الحديثة جل وقته واهتمامه عندئذ. وضع الرجل الزراعة على جادة الطريق للانطلاق وأعاد اليها زخمها الاعلامى المفقود، وأخشى أن يأتى يوم يتذكر المزارعون فيه المتعافى كلما حلت ذكرى عبود كما فعل البونى!! ، ثم هل تسمع أخى القارئ ركزا للوزارة بعده؟؟؟؟