كان مجتمع القضارف في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، مجتمعا قارئا بامتياز ، وكان ذلك ينسحب على كافة شرائح المجتمع صغارا وكبارا .. وكانت العلاقات الاجتماعية بين اطياف المجتمع ، تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل وقيم التسامح ,والتآخي كما كانت الجاليات الاجنبيه ذات الخلفيات الثقافية المتنوعه بالمدينة تمثل مصدر إثراء للمجتمع القضروفي فقد عاش في أطراف سوق القضارف الشمالية كيكوس الإغريقي وشانتلال الهندي ووديع القبطي وحاج علي الكردي اضافة الى اخرين تفرقوا في انحاء المدينة المختلفة ، ولقد تشكل خلال هذه الفترة أيضا وعيا سياسيا لدى الغالبية من المواطنين ، مما دفع النخبة السياسية الى انشاء فرع لمؤتمر الخريجين بالمدينة في عام 1942م كان له دورا كبيرا في نشر الوعي بمناهضة الاستعمار والمطالبة بالاستقلال. وفي الشأن الاقتصادي شهدت المدينة تطورا لافتا في تلك الفترة، مما جعل الكثيرين يشبهونها بالكويت ، حيث ازدهرت الزراعه بشقيها المطري والالي . وكانت المدينة قبلة لأبناء السودان من مختلف المديريات وكذلك القادمين لطلب الرزق من الدول المجاورة . وازدهرت التجارة أيضا من خلال الصادرات من المحاصيل الزراعية. أما بالنسبة للحركة الثقافية والأدبية ، فقد شهدت حراكا ملحوظا ، حيث كانت المدينة تزخر بالعديد من الصحفيين المشهورين من أمثال محمد الخليفة طه الريفي ، محمد احمد السلمابي ، عبد الله رجب ، عوض برير ، حسب الله الحاج يوسف ، أحمد طيفور ومن الشعراء خليل عجب الدور، عبد الواحد عبد الله يوسف ، أبراهيم عوض بشير والأدباء والمعلمين وموظفي الخدمة المدنية والتجار والمزارعين المثقفين ، وكانوا يجتمعون في الامسيات لشراء الصحف اليومية والمجلات والكتب ويتحدثون في شؤون المجتمع والأدب والسياسة. . ويؤمون نادى القضارف الذي كان يمثل مركز أشعاع تقوده الطبقة المثقفة بالمدينة وكانت تقام فيه الندوات والمحاضرات التي يحرص على حضورها نفر كريم من أبناء المدينة وزوارها الكبار في تلك الأيام وعلى رأسهم المرحوم محمد أحمد المحجوب (رئيس الوزراء الأسبق) والمرحوم حسن عوض الله (وزير الداخلية الأسبق) والمرحوم محمد نورالدين ( وزير الحكومة المحلية الأسبق ) اضافة الى موظفي الخدمة المدنية من الاداريين على سبيل المثال لا الحصر داود عبد اللطيف ، أحمد عبد الرحمن ، ومن القضاة جلال علي لطفي ، دفع الله الحاج يوسف. ماذا كانوا يقرأون بالاضافة الى الصحف المحليه المعروفه فى ذلك الوقت مثل الرأي العام والسودان الجديد والايام والصحافة والمجلات السودانية ، كانوا يقرأون المجلات المصرية كالرسالة والمصور وآخر لحظة وصباح الخير وروز اليوسف والكواكب واخر ساعة ، اضافة الى مؤلفات وكتب العقاد وطه حسين وعبد الرحمن شكري وغيرهم .واصدارات الكتاب الذهبي والتى كانت تحتوي على كتابات يوسف ادريس وعبد الرحمن الشرقاوي ومحمد عبد الحليم عبد الله وغيرهم ، كما كانت المكتبات تذخر باصدارات سلسلة كتابي لحلمي مراد و هي سلسلة متخصصة في نشر الأعمال الأدبية الخالدة التي طبعت التاريخ البشري و التي أثرت في ثقافات شعوب الأرض بسبب انتشارها الواسع في كل الأقطار و بسبب التأثير الذي تركته في نفوس قرائها بمختلف اللغات و الأعراق و القوميات، كما كانت تشتهر بالروايات العالمية مثل البؤساء لفيكتور هوجو والاعترافات لجان جاك روسو وانا كارينيا لتولستوي واخرين . هكذا كانت الحركة الثقافية بالقضارف تشكل حضورا مميزا في الخارطة الثقافية بالبلاد.. فهل تعود المكتبات العامة والمنتديات الثقافية لتمارس دورها الذي افتقدته المدينة لسنوات طويلة مضت . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.