مازال الوضع السياسي في السودان يراوح مكانه بين من يرى امساك المؤتمر الوطني بكل خيوط اللعبة السياسية، وان مسألة اطلاق الحريات العامة والانفراج الذي يروج له اتباعه ليس الآ دعاية رخيصة هدفها كسب الوقت ، يدللون على ذلك بالممارسات على ارض الواقع في التضيق على الصحافة والتشهير بالخصوم السياسين على شاكلة ما حدث للصحفية (لبنى) وعلى النقيض من ذلك هناك من يرى في هذا الطرح الكثير من التجني على حقيقة الواقع المعاش، و لايتعدى كونه هروب من استحقاق الانتخابات التى يتخوف البعض من أن تأتي بالمؤتمر الوطني ، وما بين الرايين يمكننا أن نقراء: - عدم جاهزية معظم الأحزاب السياسية لخوض الانتخابات في موعدها المقرر، وذلك له اسبابه المختلفة، فبعضها داخلي يتمثل في البنية الداخلية للاحزاب نفسها حيث مازلت تعاني من فقدان النفس الديمقراطي في تعاملاتها التنظيمية وفي اختيار اطرها القيادية، والشفافية في التعاطي مع الشأن العام. هذا ما افقدها التوازن في تقييم أوضاعها وبالتالي فانها تصوغ المبرارت وتعلق كل ما أصابها على شماعة المؤتمر الوطني. . والا كيف نفسر طرح بعض القيادات السياسية ومطالبتها بالانسحاب من الانتخابات تحت حجة عدم اعطاء شرعية للمؤتمر الوطني ، وكأن نتائج الانتخابات معروفة سلفا. وبالتالي فان هذه الأصوات وما تمثله من أحزاب قد حددت مواقعها في المقاعد الخلفية للمعارضة. ومن ناحية ثانية لم تكن هناك رؤية واضحة لحل قضايا السودان الشائكة والمعقدة أصلا ، تمكنها من نسج تحالف استراتيجي لمقارعة برنامج المؤتمر الوطني الانتخابي. دور المؤتمر الوطني في العبث بهذه الآحزاب وخلق جيوب تابعة له يستخدمها متى ما اراد من خلال شراء زمم بعض ضعيفي النفوس، وهذا نلاحظه يوميا من خلال الانشطارات الاميبية التي تعلن عن نفسها، لم يقتصر دور الحزب الحاكم في الاختراقات بل يتعداه الى التشكيك في مصداقية وقدرة الأحزاب على قيادة المرحلة لتشابكها خاصة بعد توقيع اتفاقات السلام المختلفة ( نيفاشا – أبوجا – أسمرا والقاهرة)، وهوما له دوره السلبي في تعاطي الجماهيري مع طرح الاحزاب السياسية . نعتقد ان العديد من الأحزاب السياسية تحتاج الى تحديث خطابها وخطط عملها حتى تتمكن من ملامسة الواقع اليومي للمواطن ومتطلباته الحياتية. ونحن هنا نستدل على ذلك برؤى بعض القوى التي مازلت تراوح مكانها في التعامل مع الشأن العام من خلال محاولاتها تسويق برامج اثبت التاريخ تعثرها ان لم نقل انتكاستها، ولم تأتي بطرح جديد لتغيير الوضع المعيشي للمواطن الذي يعاني ضنك الحياة. فالنظرة الميكافلية للقضية العامة لن تؤدي الى ايجاد الحلول المناسبة لقضايا الوطن، والتخبط في التعامل مع قضية دار فور خير دليل على ما ذهبنا اليه، فنرى اتفاقات تبرم هنا وتنديد هناك حتي لو ادى ذلك الى ان تظل دارفور هى القضية التي سوف تؤدي الى التدخل الخارجي في الشأن السوداني برمته. كيف يستقيم الأمر ومازال البعض يرى ان دارفور قضية خلقتها جماعة السلطة الحالية، ويتصور حلها بزوال حكم المؤتمر الوطني، مع ان الكثير من الآراء تتفق بان مشكلة دار فور اساسها التنمية والتهميش الذي تعاني منه كل الاطراف في السودان منذ فجر الاستقلال ودارفور أكثر وضوحا بعد ان تناولها الاعلام بشكل صارخ، ثم أن السلطة الحالية ونتيجة الممارسات الخاطئة والتعسف في استخدام البعض للسلطة أوصلت الأمور الى ما هو عليه الآن. ما هو دور القوى السياسية الاخرى في ما هو قائم الآن على الارض في الاقليم؟ لماذا لم تتفاقم الأزمة قبل خروج بعض الاطراف من حكومة الرئيس البشيرجراء ما عرف وقتها ببيان المفاصلة ( الطلاق بين جناحي الانقاذ)؟!!! ونعرج هنا الى زيارة دكتور حسن الترابي الأخيرة الى فرنسا واللقاءات التي أجراها مع بعض قادة الحركات الدارفورية وما تلى ذلك من تصريحات لبعضها وكان اشهرها تصريحات الدكتور خليل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة واتهامه بان التباطؤ في حل مشكلة دار فور مرده الى انتظار نتائج استفتاء الجنوب في العام 2011، مما فسر على انه تغيير في مواقفه واستدراك لمخططات لربما استهدف من خلالها ما يعرف الآن بالسودان على الخريطة السياسية، ونقصد هنا لربما ارتفع سقف مطالب الحركات الدارفورية المسلحة الى حق تقرير المصير اسوة بالجنوب. وبمناسبة التدخل الخارجي تناقلت صحف الخرطوم في الأشهر القليلة الماضية بان دوائر غربية تعمل على تقسيم السودان الى ثلاثة دول وذلك بعد اسقاط السلطة القائمة الآن. المقترح كما تناقلته الصحف دولة في السودان المركزي يشمل شمال السودان ، دولة في دارفور ودولة في جنوب السودان. لم نسمع أى تفاعل مع الخبر من مختلف القوى السياسية عدا المؤتمر الوطني الذي اعتبره مؤامرة على وحدة السودان وسيادته. كل القوى السياسية السودانية تنادى بالديمقراطية والتعددية السياسية في البلاد، وبالطبع الكل يتطلع الى ديمقراطية راشدة تتلافي أثار التجارب الماضية في ممارستها، وتضع معايير جديدة لادارة الدولة، والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف يمكن لهذه الأحزاب أن تتعاطى مع الديمقراطية التي لاتمارسها في داخل مؤسساتها وأطرها التنظيمية؟ أم هي شعارات للوصول الى كراسي الحكم؟ و نعرج الى مؤتمر جوبا الذي انعقد تحت رعاية وادارة الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في الجنوب والشريك الرئيسي في حكم البلاد حسب اتفاقية السلام الشامل، واعلانه السياسي الذي قراء في المؤتمر الصحفي عقب نهاية جلسات المؤتمر، والذي اشار بان آحزاب متلتقى جوبا تمهل الحكومة لاقرار قوانين التحول الديمقراطي حتى 30 نوفمبر 2009، بيدا أن وعلى الرغم من الجدل الدائر حول القوانين المجازة يتداول الشارع السوداني همسات هنا وتصريحات نارية هناك باجماع أحزاب مؤتمر جوبا على ترشيح السيد الصادق المهدي أمام الانصار ورئيس حزب الأمة القومي لرئاسة الجمهورية منافسا للرئيس الحالى عمر البشير ( مؤتمر وطني)، وكذا تحدث الدكتور الترابي عن نية حزبه ترشيح السيد عبدالله دينق نيال للرئاسة، وعلى الرغم نفي قيادة حزب الأمة القومي لترشح السيد الصادق، فان دلالاته واضحة ولا تحتاج الى قراءات وتحليلات فلنتركها الى فطنة وحصافة القارئ الكريم. ومن ناحية أخرى لم يكن موقف الحركة الشعبية واضحا في التعامل مع الشأن السياسي سلطة أم معارضة وهي التي اعلنت صراحة بشرعية الحكومة عندما اعترضت معظم القوى السياسية على استمرارها بعد يوليو الماضي، وهي كذلك الحزب الوحيد في تجمع جوبا الذي أعلن صراحة مشاركته في الانتخابات على كل المستويات ، كما اننا لا ندري كيف يتثنى لها لعب دور السلطة والمعارضة!؟ والشئ الذي لفت انتباهنا هو النقد والامتعاض الذي ابداه السيد على محمود حسنين لاستمرار الحركة الشعبية في الحكومة التي اعتبرها فاقدة للشرعية وكذلك اعلانها المشاركة في الانتخابات في محاضرته التي نظمت من قبل تجمع القوى السياسية في المملكة المتحدة وايرلندا، في يوم 27 ديسمبر 2009 في العاصمة البريطانية لندن والذي دعا صراحة بمقاطعة الانتخابات . كما أن د/ على الحاج نائب الأمين العام للمؤتمر الشعبي الذي شارك في الندوة المذكورة ابدى تفهما لتصرفات الحركة الشعبية، ولم يحدد صراحة موقف حزبه من المشاركة بل ترك الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات. الم تكن الحركة الشعبية الامين العام للتجمع الديمقراطي الذي كان يتخذ من العاصمة الارترية مقرا له منذ العام 1995م و كانت تتولى كذلك أي الحركة الشعبية حقيبة الشئون العسكرية فية منذ مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية! ولكنها اصرت ان تنفرد بالمحادثات مع الحكومة تاركة الجسم الذي كانت قد اسسته مع بقية المعارضة السودانية لتصبح شريكا أساسيا في حكم البلاد مع المؤتمر الوطني، فما الجدوى من اتفاقات جوبا.! ثم نتسآل الى أين ذهبت شعارات النضال من أجل المهمشين التي كانت ترفعها الحركة الشعبية وبقية القوي التي كانت تقاتل نظام الانقاذ!!؟ أم أن المهمشين المقصودن في خطابهم هم سكان الجنوب فقط؟ كيف ينظر تجمع جوبا الى الأوضاع في شرق السودان ، وما آلت اليه وما اصاب سكانه من التشريد والقتل جراء الحروب الطاحنة التي خاضتها المعارضة متمثلة في الحركة الشعبية وقوات التحالف السودانية التي كان يرأسها العميد عبدالعزبز خالد وفصيل مؤتمر البجا ( النسخة المعدلة في أسمرا) ، مئات من الأسر شردت وفقدت المعين والمئات من الأفراد تم اعدامهم أمام الملأ بحجة انتمائهم للمؤتمر الوطني الحاكم، الآ يستحق هؤلاء الاعتزار والتعويض ورد الاعتبار من قبل اؤلئك الذين قاموا بكل هذه المجازر والتشريد،علما ان بعضهم يشارك المؤتمر الوطني في السلطة اليوم والبعض الآخر ديكور لتجميل وجه( حكومة الوحدة الوطنية). وبالعودة الى عنوان المقال وما يتعلق بسياسة المحاور يمكننا القول بان تجاذبات الآحزاب المعارضة وتلك المشاركة في السلطة قد تجعلها عرضة للوقوع في أحضان الأجني وقد تجد نفسها مطرة للعب دور الخادم للمصالح الأقليمية والدولية بدراية لما يحاك ام لم تدري، والشواهد على ذلك تصريحات بعض المسؤلين الامركيين وغيرهم من الغربيين الذين يمارسون سياسة الضغط على حكومة الرئيس البشير لانتزاع المزيد من التنازلات لصالح ( التحول الديمقراطي) ظاهريا. كما أن بعض أقطاب المعارضة يراهن على العامل الخارجي أكثر مما تسفر عنه الانتخابات المزمع اقامتها في أبريل القادم وذلك للعوامل التي ذكرناها سابقا. السودان يمر بمرحلة انتقالية حساسة وقد يجوز لنا القول انها مفترق طرق، وان الخروج من هذه الازمة يحتاج الى وضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والكل مطالب ان يعمل على بناء السودان على اسس جديدة، وطن يضع اولى اولوياته ادارة التنوع الثقافى والاثني وبالتالى المشاركة الحقيقية لكل مكوناته في السلطة والثروة، وان التعايش لايتأتى باجراءت صورية وديكورات لتجميل وجه السلطة القائمة او تلك التي تاتي بها الانتخابات القادمة، او كما يتهم البعض المؤتمر الوطني مؤخرا بالتلاعب في نتائج الاحصاء السكاني الأخير والتي بموجبها تم اعلان الدوائر الانتخابية. تشير المعلومات الواردة من الخرطوم ان حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الشيخ الدكتور حسن الترابي قد اعلن موافقته على نتائج الاحصاء السكاني الأخير والذي أثار ومازال جدلا واسعا في الاوساط السياسية السودانية،وان ما تناقلته الانباء الواردة من الخرطوم بأن الشيخ الترابي يلوح بترشيح السيد عبدالله دينق نيال لرئاسة الجمهورية كما أسلفنا،في تقديرنا ما هو الآ مناورة للاتفاف على القوى السياسية الاخرى ، بالاضافة الى اشارات قد تتيح المجال لمن يريد ان يتوسط بين الحركتين ( الاسلاميتين) ولو في اطار مساعي الهدنة التي تلعب قطر وبعض الجهات الدور في التوصل اليها بين الطرفين. والدلالة الأخرى لم تجمع أحزاب ملتقى جوبا على مرشح واحد لمنافسة مرشح المؤتمر الوطني، لفقدان الثقة فيما بينها. كثير من كوادر التيار ( الاسلامي) يرى في الخلاف خسارة كبرى لما تحقق لهم من مكاسب ، وفيهم من يطرح بضرورة ولوج قيادات جديدة تتولى عملية رتق نسيج الجبهة الاسلامية الذي احدثه خروج دكتور ترابي وبعض الرموز الكبيرة في التنظيم، وثمة راى آخر يرى بان ما حدث لايتعدى كونه فرز طبيعي في مسيرة التنظيم كالذي حدث في منتصف السبعينيات، في اشارة الى الخلاف بين تيار الترابي من جهة ودكتور الحبر والشيخ الصادق عبدالله عبدالماجد من جهة اخرى. idris adem [[email protected]]