السودان.. مجلسا السيادة والوزراء يجيزان قانون جهاز المخابرات العامة المعدل    الخليفة العام للطريق التجانية يبعث برقية تعزية للبرهان في نجله    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    ريال مدريد يعبر لنهائي الابطال على حساب بايرن بثنائية رهيبة    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بمقطع وهي تتفاعل مع زوجها الذي ظهر وهو يرقص ويستعرض خلفها    ضياء الدين بلال يكتب: نصيحة.. لحميدتي (التاجر)00!    ناس جدة هوي…نحنا كلنا اخوان !!!    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    شاهد بالصورة.. شاعر سوداني شاب يضع نفسه في "سيلفي" مع المذيعة الحسناء ريان الظاهر باستخدام "الفوتشوب" ويعرض نفسه لسخرية الجمهور    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    مصر والأزمات الإقليمية    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: دمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد اساسه القوات المسلحة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    الخليفي يهاجم صحفيا بسبب إنريكي    أسطورة فرنسا: مبابي سينتقل للدوري السعودي!    عقار يلتقي مدير عام وحدة مكافحة العنف ضد المرأة    كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التواصل العربي- الأفريقي عبر التاريخ (0-9) .. بقلم: أ. د. ظاهر جاسم محمد الدوري
نشر في سودانيل يوم 29 - 10 - 2016

يهدف البحث إلى متابعة مراحل التواصل العربي-الأفريقي وانعكاساتها الحضارية؛ لوجود الروابط التاريخية والجغرافية والحدود المشتركة والتعايش والتمازج بين سكان المنطقتين، إضافة إلى ذلك وجود المعاناة المشتركة، بسبب التسلط الاستعماري الأوروبي؛ مما ادى إلى استنزاف الكتلتين اقتصاديا، سواء كان منها الموارد البشرية أو الموارد الطبيعية.
وكان لابد أن يدور الحديث عن التواصل العربي-الأفريقي وليس العلاقات أو الروابط العربية-الأفريقية لان مدلول كلمة روابط أو علاقات لا تفي بمعناها الحقيقي الموضوعي لِتلك الروابط الأفريقية-العربية العميقة الجذور فكان الأولى ان تستبدل بهما كلمة تواصل لما تحمله من مضمون أوفى في تصوير الواقع.
وقد قُسّم الموضوعُ إلى المراحل التالية: مرحلة التواصل قبل الإسلام، ومرحلة التواصل تحت راية الإسلام، ومن ثم مرحلة التواصل خلال فترة الغزو الأوروبي للقارة الأفريقية.
مرحلة التواصل العربي- الأفريقي قبل ظهور الإسلام:
لا تختلف معظم المصادر التاريخية حول العمق التاريخي لمراحل التواصل العربي- الأفريقي، لا سيما بعد التنقيبات الأثرية التي أخذت تتقدم كثيرا في العديد من البلدان الأفريقية وبالذات في بلاد أفريقيا ما وراء الصحراء.
لابد من مناقشة أهم عوامل الربط بين الشعوب عموما وبحثها، وفي المقدمة منها عاملي الجغرافية والتاريخ، بما لهما من ضرورات لا غنى عنها. والمعني بالعامل الجغرافي، هو عامل التجاور الذي كان له الدور الواضح في خلق تداخل وتلاحم وثيق بين شعوب العالم أجمع، ومنها العالمين العربي والأفريقي، لاسيما في الأجزاء الشمالية والشرقية من القارة الأفريقية، فإن الذي يلقي نظرة على خريطة العالم السياسية سيتبين له أن البلاد العربية والبلاد الأفريقية تكونان معا كتلة ستراتيجية واحدة، يحدها شرقا جبال زاجروس والخليج العربي، وشمالا جبال طوروس والبحر المتوسط، وغربا المحيط الأطلسي؛ وعلى الرغم من وجود الفاصل الانكساري الذي بموجبه تكوّن البحر الأحمر كفاصل بين اليابسة في آسيا وأفريقيا، استمر التواصل بين الطرفين العربي والأفريقي، والتي أصبحت تمثل العنصر العربي والأفريقي في آن واحد ومن دون حدوث تنافر بين المقومات العربية والأفريقية المنصهرة في حياة شعوبها، ويرجع ذلك إلى كون العروبة والأفريقية تشكلان رابطة حضارية وسياسية، وليست عنصرية أو عرقية، لهذا فإنه من الواضح لدينا أن كلا من العروبة والأفريقية تضم في ثناياها شعوبا مختلفة من حيث العنصر والعرق .
أمَّا العامل التاريخي لمراحل التواصل، فهو عامل الزمن، والذي يعود لعدة آلاف من السنين، وهذا ما عكس الصلة بين العرب والأفارقة في التشابه العرقي واللغوي والثقافي. فالمصادر التاريخية تشير إلى ان الفينيقيين في القرن الخامس قبل الميلاد، قد أسسوا مستعمرات تجارية على الساحل الغربي لأفريقيا، وهم الذين وصفهم "هيرودوت" بأصحاب التجارة الخرساء أو التجارة الصامتة مع الأفارقة . والذي يدعم وجود أسلوب التجارة الخرساء واستمرارها هو ما جاء من وصف دقيق لها في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي . وشاهدنا على ذلك هو ما جاء في الرحلة المعروفة برحلة حنون، وهي ذلك التراث الفريد الذي نستقي منه معلوماتنا عن حضارة قرطاجة، وعلى الرغم من عدم وصول النص الأصلي إلا أن النسخة المترجمة باليونانية قد تمكنت من سد الفراغ، حيث كان هدف الرحلة، التي قام بها حنون على الشواطئ الأفريقية، لغرض مد السيطرة القرطاجية .
أما بالنسبة للساحل الشرقي، فالصلة هي الأخرى قديمة وعريقة، وتعود أيضا إلى ما قبل التاريخ الميلادي ، فلابد من الإشارة إلى علاقة شعوب بلاد وادي الرافدين بالسواحل الشرقية لأفريقيا، إذ يشير الأثريون إلى العثور على نقوش سومرية وبابلية ترجع إلى عهد سرجون الاكدي، الذي حكم بلاد وادي الرافدين من عام2350- 2284 ق.م .
ولا يمكن لنا أن نغفل الآثار المصرية القديمة التي تحمل العديد من أخبار القوافل التجارية مع أواسط وشرق أفريقيا، وبصورة خاصة في عهد الأسرة الخامسة (2750-2625 ق.م )، ومنها في عهد الملك ساحو رَع، هو أول ملك أثبتت أثاره أنّه مؤسس المواصلات البحرية مع الصومال. وتعدت العلاقات بين الطرفين آنذاك البلدان الواقعة على حوض النيل إلى الصومال وشرق أفريقيا وغربها ، ولم يكن هذا غريبا لان مصر تعد من المنافذ الرئيسية للهجرات العربية إلى القارة الأفريقية .
ويبدو أن عراقة الصلة بين العرب والأفارقة، قد انعكست على التشابه العرقي واللغوي والثقافي بين الشعوب التي تتكلم اللغة الحامية أو الكوشية، والشعوب الناطقة باللغات السامية، العربية والأمهرية والتقري، وتنتشر المجموعات الناطقة باللغات الحامية على الساحل الشرقي والشمالي لأفريقية، وتتكون من الصومال والعفار وجزء من الإريتريين" والبجة والنوبيين والبربر"، وان هذا التشابه والصلات تدل من دون أدنى شك على عمق التبادل الثقافي بين المجموعتين، مما دفع بعض الباحثين إلى التنبؤ بأن تكون المجموعتان من أصل واحد أو عاشتا في موضع واحد، فلو صح هذا التنبؤ فذلك يعني من الجانب الآخر صحة مدى ما ذهب إليه هؤلاء الباحثون بانشقاق الأرض و ظهور البحر الأحمر.
ويعتقد المختصون أنه بسبب الجوار الجغرافي، وما يولده من احتكاك تجاري وثقافي، بين شعوب المنطقتين المتجاورتين- أي موقع الجزيرة العربية المقابل لشرق وشمال شرق أفريقيا- والذي لا يفصل بينهما إلا البحر الأحمر، حدثت هجرات عربية نحو قارة أفريقيا وبالعكس،على الأرجح، قبل القرن الرابع قبل الميلاد ، عن طريق شبه جزيرة سيناء وبرزخ السويس شمالا، وعن طريق باب المندب جنوبا، لاسيما وأن "...اليمن كانت إلى فترة جيولوجية غير بعيدة متصلة بأفريقيا حين كان البحر الأحمر بحيرة داخلية كبيرة..." ، وأن مبررات تلك الهجرات تعود إلى حالات الجفاف والقحط التي مست الجزيرة العربية لعصور متتالية، فبحثا عن متطلبات العيش، انتقلت عدة قبائل عربية إلى الأرض الأفريقية لتستقر هناك ؛ فضلا عن رحلات قوافل التبادل التجاري والتي كانت مزدهرة. وان أقدم إشارة خطية أشارت إلى صلة العرب بتلك المنطقة هو ما جاء في كتاب تاجر يوناني من الإسكندرية، في أواخر القرن الأول الميلادي، باسم –Periblus Maris Erythraerei الدليل الملاحي للبحر الإريتري- ليكون دليلا للتجار في المنطقة _ أشار فيه إلى مدن عدة مثل مدينة ربطة، التي يحكمها حاكم عربي ينتسب إلى قبيلة معافر اليمنية، ويخضع بنفس الوقت، إلى مدينة مخا في اليمن. وتحدّث فيه عن تزاوج العرب من الأفريقيات، وعن العلاقات التي كانت قائمة بين سكان الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، والسفن التي كانت تأتي من الجزيرة العربية محملة بالخناجر و الرماح والزجاج وتعود إليها محملة بالعاج وقرن الخرتيت والجلود والرقيق . وانه مثلما كانت سواحل شرق أفريقيا مراكز تجمع للهجرات العربية منذ العصور القديمة ،كانت مصر البوابة الشمالية التي يدخل منها العرب إلى شمال القارة .
ويعد وقوع اليمن تحت حكم الأحباش في القرنين الرابع والسادس الميلاديين، سببا في النزوح الأفريقي إلى الجزيرة العربية، ويؤخذ به مثالا للتواصل بالاتجاه المعاكس، وعلى الرغم من ارتباط ذلك بعوامل تجارية وعسكرية، فلا زالت أثار هذا التواصل موجودة إلى الآن ، فضلا عما دونه الأصفهاني وابن خلدون في كتابيهما من أخبار حول استقرار العرب في الحبشة والأحباش في الحجاز لمزاولة التجارة ، حيث كانت أرض الحبشة لقريش "متجرا ووجها" وكانوا "يتعاهدونها بالتجارة فيحمدونها".
وكذلك تشير المصادر إلى أن بعض القبائل العربية قد هاجرت من اليمن إلى شرق أفريقيا عن طريق باب المندب، ولم تكن هذه الهجرات إلى الساحل الشرقي فحسب بل كانت تمثل مجالا للاحتكاك الأول؛ حيث امتدت العلاقات إلى الداخل من خلال موجات المهاجرين التي استمرت تتحرك باتجاه الغرب الأفريقي، حتى استقرت في بلاد اليوروبا غربي نيجريا، ونفذت جنوبا عن طريق بحر العرب والمحيط الهندي إلى جزيرة زنجبار وسواحل كينيا وتنجانيقيا، وتوغلت إلى جبال القمر، وهضبة البحيرات، ثم إلى خط تقسيم المياه بين نهري النيل والكونغو . يتضح مما تقدم، أن مرحلة التواصل الأولى قديمة وتمتد إلى آلاف السنين، متأثرة بعوامل عديدة منها: عامل الجوار، والاقتصاد، والثقافة، وهي التي كونت الأسس المتينة لمراحل التواصل بين العرب والأفارقة مع بلاد ما وراء الصحراء في العصور اللاحقة.
مرحلة التواصل تحت راية الإسلام:
يعّد ظهور الإسلام في العقد الثاني من القرن السابع الميلادي بداية مرحلة جديدة في تاريخ التواصل العربي- الأفريقي، فهناك أراء متعددة حول تاريخ دخول الإسلام إلى أفريقيا مبكراً، فمنهم من يعد هجرة أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الحبشة ، في بداية الدعوة، أول اتصال مباشر وتأسيس أول خلية للإسلام بأفريقيا. ومنهم من يرى أن سواحل أفريقيا الشرقية تأثرت بالدين الإسلامي في الوقت نفسه الذي بدأ الإسلام يرسي كيانه في الجزيرة العربية، و ذلك بسبب القرب الشديد بين شرق أفريقيا وبلاد العرب . ويشير البروفيسور رجبي، إلى أن شرق أفريقيا قد تأثر بالإسلام منذ القرن السابع الميلادي(الأول الهجري)،وان المسلمين قد بنوا ميناء مقديشو وغيره من الموانئ على الساحل الصومالي بعد الهجرة عام 622 م مباشرة . يؤيد هذا ما ذكره الدكتور أمين الطيبي في وثيقة مكتشفة حديثاً ( كتاب الزنوج ) لمؤلف مجهول، عن حدوث هجرات عربية عديدة وقيام مستوطنات قديمة، وعن دخول الإسلام إلى شرق أفريقيا في زمن الخليفة عمر بن الخطاب(رض)، فضلا عن ظهور إمارات عربية زمن الدولة العباسية .
مهما يكن الأمر بعد دخول الإسلام إلى الشمال الأفريقي، تعاقبت هجرة القبائل العربية إلى المنطقة، وأظهر العرب أن هناك خصائص فريدة في التأثير على المجاميع التي سكنت معها، وبرز عدد من القادة المسلمين كان لهم الدور الكبير في نشر الدين الإسلامي في أفريقيا، فأسهموا في ترسيخ أسس العقيدة الإسلامية حتى بدأ مواطنون أفارقة يدعون إلى الإسلام بين مواطنيهم في حركة سلمية.
على الرغم من عامل الجوار والعامل التجاري لهجرة القبائل العربية إلى أفريقيا، وما ترتب عليها من علاقات تجارية وتلاقح اجتماعي، كانت النزاعات القبلية والسياسية التي قادها الأمويون والعباسيون ضد معارضيهم، سببا مهما في هجرة مجموعات أخرى كبيرة من القبائل العربية إلى القارة الأفريقية عن طريق باب المندب، ومن ثم الانتشار في الساحل الشرقي منها ، وكان لاستقرار هذه الهجرات في مناطق مختلفة من الساحل سببٌ رئيسيٌ في ظهور عدد من الإمارات العربية على الساحل وبصورة خاصة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، في كلوه وممبسه ومقديشو وفي جزيرة زنجبار .
ولا يفوتنا التنويه إلى ان الجغرافيين العرب، في العصور الوسطى، هم أول من أطلق اسم ساحل الزنج على ساحل أفريقيا الشرقي، وبالذات المنطقة التي استقر بها العرب على الساحل الشرقي، من مقديشو في الشمال إلى مدينة سفالا في موزمبيق.
ونتيجة لهذه الهجرات، ظهر مجتمع خليط أطلق عليه الأمة السواحيلية والذي ضم العرق المحلي المكون من سكان يتحدثون بلغة البانتو مع العناصر القادمة من الساحل الشمالي لبحر العرب والمحيط الهندي، وكان من بينهم العرب والفرس والهنود . وطغى هذا الاختلاط حتى شمل اللغة التي هي الأخرى سميت باللغة السواحيلية، حيث أصبحت لغة المعاملات التجارية والرسمية على طول الساحل الشرقي وكانت تكتب بالأبجدية العربية حتى منتصف القرن التاسع عشر.
وبسبب البعد الجغرافي عن مراكز الثقافة العربية، استغرق دخول الإسلام إلى أفريقيا الغربية زمنا أطول، وقد وجد عدد من الرحالة والمؤرخين العرب وغيرهم من أمثال العمري والادريسي وابن بطوطة وليون الأفريقي، حضارة إسلامية زاهرة في ممالك غانا ومالي وغيرها .
وقد أحدث العرب تأثيرا جذريا وعميقا في أنحاء مختلفة من القارة الأفريقية منذ وصولهم إليها في القرن السابع الميلادي، لاسيما انهم أدخلوا إلى القارة الإسلام وفن العمارة العربية، والثقافة الإسلامية، وعموما زادت وشائج الاتصال العربي الأفريقي منذ انبلاج الدعوة الإسلامية ليصبح الإسلام الركيزة الأساسية للثقافة العربية الأفريقية.
لقد سلك العرب في نشر الدعوة الإسلامية في أنحاء مختلفة من أفريقيا، الطرق نفسها التي سلكها أجدادهم من قبل في التجارة أو الهجرة؛ وان التطور الذي حصل في حياة العرب أدى إلى حدوث نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة، فساعد ذلك على رواج مظاهر الثقافة العربية؛ كاللغة التي أعطتها محتوى لغوياً وثقافياً في حين أعطاها الإسلام بعداً عقائديا .
وبعد أن استقر العرب في الشمال الأفريقي منذ القرن الثامن الميلادي، أخذت القبائل العربية تنساب نحو الجنوب، فوصلت إلى حدود النيجر والسنغال، واختلطوا بالسكان وأخذوا يقيمون الإمارات العربية الإسلامية. ولم تقف الصحراء الكبرى حاجزا لمنع قيام علاقات الترابط ومد جسور التلاقي بين سكان المغرب العربي وبلاد ما وراء الصحراء، حيث مهدت هذه الجسور لاحقا لانتشار الإسلام في مناطق غرب أفريقيا ووسطها وبالذات اثر سقوط مملكة غانا على أيدي المرابطين عام 1076م، فقامت ممالك أفريقية وبلغت شأنا من الازدهار نتيجة لاعتناقها الإسلام، وتأثرها بمظاهر الحضارة العربية .
ومن الممالك التي برزت في الغرب الأفريقي ووسطه هي مملكة غانا ومملكة مالي وسنغاي والكانم والبورنو ..ألخ . لم تصل هذه الممالك إلى التقدم والازدهار والمنعة إلا بعد أن أصبح الإسلام عصب قوتها الروحية والمادية، وأصبحت اللغة العربية لغتها الرسمية. لاسيما وانها انتقلت من مجتمعاتها القبيلة إلى مجتمع الدولة المركزية، وظهرت دولة جديدة امتزجت بها النظم العربية الإسلامية مع التقاليد الأفريقية الموروثة، وقاد هذا إلى بروز الشخصية الأفريقية في إطارها الإسلامي من دون ذوبان الشخصية، بل ذهب البعض إلى القول أنه بدخول الإسلام بدأ العصر التاريخي "لأفريقيا السوداء" . وشواهدنا التاريخية على ذلك كثيرة في الممالك الأفريقية التي كانت قد أكدت حرصها على التشبّه بالقوى الإسلامية المعاصرة، من حيث نظم الحكم والقضاء والاستعانة بعلماء الدين وفقهائه والانتساب إلى الأصول العربية، بل مارس البعض منهم الجهاد في سبيل الإسلام وأعمال الخير مثل محمدي سلطان كانم .
وفي القرن العاشر الميلادي ظهرت العديد من المدن والمراكز في شرق أفريقيا، لاسيما عند مغادرة البحارة والتجار من عمان وصحار وساحل الخليج العربي عموما واستقروا في هذه المنطقة، وكان من مرافقيهم المؤرخ المسعودي، صاحب كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر، والذي أورد في كتابه ، وصفا عن المحيط الهندي والقرن الأفريقي وبلاد الواق واق المشتهرة بالذهب والعاج.
شهدت أفريقيا تطورا كبيرا خلال المدة ما بين القرن الحادي عشر وحتى القرن الرابع عشر، فاستطاعت وبالتعاون مع العرب صنع حضارة عربية أفريقية، ومن تأسيس مدن وإمارات ذات إشعاع فكري وثقافي استمدت أصولها من مراكز الإشعاع العربي في بغداد والحجاز والقاهرة، وذلك بسبب الهجرات العديدة التي حدثت إلى مناطق الساحل الشرقي الأفريقي بعد الضعف الذي دب في صفوف الدولة العباسية وسيطرة الأقوام الأجنبية عليها، لا سيما بعد الغزو المغولي لبغداد وإسقاط الخلافة العباسية فيها، حيث وصلت هذه المنطقة إلى درجة كبيرة من الازدهار والترف والرفاهية .
وطبيعي أن تنعكس حالات الانتعاش أو التخلف التي كانت تعيشها البلاد العربية على الحالة التي عاشتها أفريقيا، ففي الوقت الذي سيطر العرب فيه على الملاحة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، كان له الأثر الكبير على انتعاش التجارة والثقافة وازدهارهما في أفريقيا .
وقد انتشر العنصر العربي في أواخر القرن الحادي عشر في المنطقة الممتدة بين دار فور وبحيرة تشاد وكانم وبورنو وواداي، ويؤكد دينز بولم في كتابه الحضارات الأفريقية مشيرا إلى سكان هذه الممالك قائلا أن "هؤلاء قبائل عربية ومستعربة من واداي ودار فور وكردفان". ويطلق عليهم كلمة الشوا، أي الرعاة الرحّل لغرض تفريقهم عن الو سلي أي الجلابة أو التجار غير المقيمين؛ ويذكر أن أبرز بطون قبائل الشوا هم الحسا ونه وجهينه والسلامات وخزام وأولاد راشد والمسيرية .
ويمكننا تقسيم مراحل توغل النفوذ العربي الإسلامي إلى داخل مناطق بلاد ما وراء الصحراء الأفريقية الكبرى إلى المراحل التالية:
1- المرحلة الأولى، ويغلب عليها الاحتكاك السلمي،والتي شكل التجار العرب دعامتها.
2- المرحلة الثانية، التي غطى عليها جهاد المرابطين الذي مد الوجود العربي الإسلامي المتنامي اقتصاديا وثقافيا، دعما وسندا سياسيا.
3- المرحلة الثالثة، التي جمعت بين السلم والجهاد، والتي تم أثناءها ترسيخ مفاهيم العقيدة الإسلامية وتعميقها بين المواطنين الأفارقة. وفي هذه المرحلة انتقلت الزعامة الدينية والسياسية والاقتصادية إلى أبناء الوطن بعد أن تشبعوا بروح الإسلام، وكان نتيجة ذلك قيام عدد من الممالك الإسلامية التي مر ذكرها، مثل مالي وسنغاي وامارات الهوسا، في المدة المحصورة ما بين القرن الثالث عشر والقرن السابع عشر الميلادي.
ومجمل القول، فقد ارتبط دخول العرب إلى القارة الأفريقية بصورة عامة بأوضاع الدول التي كانت تحكم بالشمال الأفريقي أو الممالك التي تأسست في شرق أفريقيا، وبسبب اختلاط العرب المسلمين وتزاوجهم بسكان قارة أفريقيا من " القبط، والنوبة، والبربر، والزنوج، والبانتو..." ، تولدت شعوب إسلامية مختلفة الأعراق والألوان، استعرب بعضها بسبب إسلامها استعرابا تاما، وشكلت جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية الحديثة، بينما استمرت أقوام أخرى محافظة على ثقافتها القديمة، فكان الإسلام وما زال، من عوامل الترابط بين الشعوب العربية والأفريقية دينيا وعرقيا وحضاريا .
ازدهار التواصل العربي الأفريقي:-
ازدهرت العلاقات العربية الأفريقية في جميع المجالات، ففي المجال الاقتصادي، أدى التجار العرب في بلاد المغرب دورا مهما في تمتين الصلات التجارية بين الممالك الأفريقية القائمة في غرب القارة ووسطها من ناحية، وبين مناطق البحر الأبيض المتوسط والبلدان الأوروبية من ناحية أخرى ، وبنفس الدور قام التجار العرب في تمتين الصلات بين موانىء ساحل شرق أفريقيا وبلاد الصين .هذا فضلا عن المناصب الإدارية العليا التي شغلها هؤلاء التجار في القارة من أجل إدارة تلك الممالك وما تمتعوا به من امتيازات وضمانات كثيرة وعديدة .
أما في المجال الثقافي والاجتماعي فقد ازدهرت الممالك الإسلامية في وسط السودان وغرب أفريقيا التي غلب عليها مظاهر الحضارة الإسلامية الأفريقية، والتي جمعت في نظمها الإدارية نظما إسلامية وأنماطاً أفريقية غلبت عليها الثقافة العربية. وبتأثير الإسلام ساد التسامح في مجتمعاتها، وأصبحت اللغة العربية لغة العبادة والعلوم والتجارة والدبلوماسية ، وأصبح الحرف العربي هو الحرف المهيمن في كتابة اللغات الأفريقية، كلغة الهوسا واللغة الفولانية، وكثيراً ما تأثر سلاطينهم بالخلفاء والولاة المسلمين، فكانوا يخرجون في مواكب جامعة لأداء فريضة الحج، كما شجعوا على تبادل المؤلفات والبعثات العلمية مع مدارس فاس ومكة والقاهرة ، ومن أمثلة ذلك ازدياد عدد طلبة العلم من غرب أفريقيا الوافدين إلى مصر، حتى أصبح لهم رواق خاص باسمهم هو رواق التكرور، وذاع صيت عدد من العلماء الذين احتلوا مكانة مرموقة عند سلاطين السودان . هذا فضلا عن ظهور عدد من المراكز الثقافية مثل، جني وكانم وتمبكتو ،التي- ربما بشيء من المبالغة- قال عنها السعدي "انها ما دنستها عبادة الاوثان وما سجد على أرضها قط لغير الرحمن"، فأصبحت هذه المراكز موطنا لطلاب العلم الوافدين اليها وقبلة للعلماء القادمين من مراكز الثقافة العربية الإسلامية من المغاربة والأندلسيين والمصريين والحجازيين، حضروا للتدريس فيها، إضافة إلى طلاب العلم من السودان والسنغال والنيجر وإمارات الهوسا وبورنو وكانم ودار فور .
ومن المظاهر الأخرى للتواصل مع جنوب الصحراء ازدهار طرق القوافل التجارية، التي كانت هي الأخرى وسيلة فعالة في نقل الثقافة العربية الإسلامية من طرابلس وتونس وتلمسان ومراكش إلى مدن تمبكتو والكانم وبورنو وامارات الهوسا وغيرها من المراكز التجارية ، التي اشتهرت أسواقها بالبضائع التي كانت تأتيها من الشمال الأفريقي مثل الحرير والسروج والنحاس والملح والبضائع الأفريقية كالذهب والعاج والجلود، ومن الطرق التجارية الرئيسةِ التي تمر عبر الصحراء وتربط بين شمالها وجنوبها هي :-
1- طريق سجلماسة- ولاته ومنه إلى السنغال وأعالي نهر النيجر.
2- طريق غدا مس- بلاد الهوسا عن طريق غات وأهير.
3- طريق طرابلس- بورنو ونهر تشاد مارا بفزان وكوار.
4- طريق برقة- واداي عن طريق الكفرة .
وعلى الرغم من هذا التحديد للطرق، الا ان هذا لا ينفي وجود طرق صحراوية أخرى لم يظهر لها تسجيل في المصادر التاريخية والجغرافية .
والنقطة الهامة التي يجب الانتباه إليها هو وجود الصحراء الأفريقية الكبرى، والتي حاول الأوروبيون أن يجعلوا منها حاجزا مانعا للفصل بين شمال القارة وجنوبها، وفي الحقيقة، وان كانت الصحراء قاحلة، منذ مدة لم تكن بعيدة، إلا انها لم تكن حاجزا بين هذه الشعوب، فضلا عن ان هذه الصحراء لم تكن خالية من السكان، حيث تقطن شعوب متعددة فيها تعيش حياة البداوة والترحال،وهم سادة الصحراء وأدلائها، ويقيمون علاقات وطيدة مع سكان المدن في شمال الصحراء وجنوبها . وظلت هذه الصحراء من القرن الحادي عشر حتى القرن الخامس عشر، منطقة عبور جيدة لهذه الشعوب. وخير من وصف لنا رحلة الصحراء؛ الرحالة العربي ابن بطوطة الذي قال وهو يصف رحلته: وعند وصولنا إلى سجلماسة، ملتقى جميع من ينطلق من الغرب الأقصى نحو الجنوب " واشتريت بها الجمال، وعلفتها أربعة أشهر" ، وأما القافلة فكانت توضع تحت إمرة قائد، كما هو ربان السفينة، وعند انطلاق القافلة فلا يحق لأحد التأخر أو التقدم خشية من فقدان الطريق، وقبل أن تصل القافلة إلى المدينة المعينة بعشرة أيام، ترسل مبعوثها إلى المدينة المقصودة فيحمل الرسائل إلى أصحابها " ليكتروا لهم الدور ويخرجوا للقائهم بالماء على مسيرة أربع" . ويشير ابن بطوطة أيضا إلى الإجراءات الجمركية التي تخضع لها القوافل. وهذا كله مدعاة لزيادة أهمية المراعي الكبرى المخصصة لعلف الجمال وتربيتها، ومثار للنزاع عليها بين القبائل أيضا . وعلى الرغم من إيجابيات الصحراء الكبرى الا انها لا تخلو من المخاطر التي كان على القوافل التجارية ان تواجهها، فهناك المساحة الرملية الشاسعة، رغم وجود واحات ووديان صالحة للرعي، الا انها لا تخلو أيضا من مناطق جبلية وكثبان رملية عالية ثابتة ومتحركة وهضاب قد عرت عوامل التعرية صخورها، هذا فضلا عن العطش وما يسببه من تشقق في الجلد.
مرحلة التواصل أثناء الغزو الأوروبي للقارة:-
منذ القرن الخامس عشر دخلت القارة الأفريقية عهدا تاريخيا جديدا لم تشهده من قبل، هو مقدم الأوروبيين إليها، ونعني بهم البرتغاليين واحتلالهم لسبته، بالمغرب الأقصى، في 14 من أغسطس عام 1415م.
ويعد تاريخ هذا الاحتلال مؤشرا لبدء مرحلة هامة في العلاقات الدولية بالنسبة للتاريخ الأوروبي والعالم، ودور البرتغاليين المرتبط بالنجاح في الدوران حول القارة، فبعد وصولهم إلى المحيط الهندي سعوا إلى ان يحلوا محل التجار العرب الذين ربطوا شرق أفريقيا بالهند وبقية آسيا. ومعلوم أن البرتغاليين في البداية تمكنوا من السيطرة على نقط محددة في الساحل الغربي والشرقي لأفريقيا. ولكن وصولهم إلى القارة أولا، وإلى مصدر الذهب ثانيا، والموقع الاستراتيجي على طريق التجارة البحرية ثالثا، أدى إلى إشعال نار التنافس بينهم وبين الدول الأوروبية حول السيطرة على القارة، وان لم يكن هذا هو موضوعنا الرئيسيّ، إلا ان القارة كانت قد مرت بمراحل سيطرة استعمارية متعددة، وهي:
1- مرحلة إقامة النقط لأغراض التجارة، الجزرية منها والساحلية.
2- مرحلة الكشف الجغرافي.
3- مرحلة الاستنزاف العنيف لموارد القارة البشرية والمادية .
أما بالنسبة للعلاقات التي هي موضوعنا في هذه الفترة، فقد ضعف التفوق التجاري العربي والنفوذ الإسلامي بسبب السيطرة البرتغالية على طرق التجارة العالمية، والطرق البحرية المؤدية إلى الشرق ومصادر التجارة الشرقية، فانعكس هذا بدوره على خطوط التواصل بين العرب والأفارقة، ومن جراء ذلك تمكن عرب الساحل الشرقي وبمساعدة سلطنة عمان في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي من مهاجمة البرتغاليين والتخلص منهم والسيطرة ثانية على كل الساحل، لكنهم لم يستطيعوا إعادة مجدهم، لكثرة الطامعين في السلطان وأيضاً خلافات الأمراء فيما بينهم .
تزامن التوسع العماني مع السيطرة البريطانية على المحيط الهندي، وحين شعرت عمان بمنافستها التجارية، غير المتكافئة مع بريطانيا، اضطرت إلى التخلي التدريجي عن نفوذها التجاري في الخليج العربي والتركيز على الساحل الأفريقي. وقد تأثر نفوذ السلطنة الزنجبارية أيضا في الساحل، وذلك بسبب التدخل الألماني في المنطقة من جهة، وعقد الاتفاقيات الثنائية الألمانية البريطانية لاقتسام النفوذ في هذه المنطقة من جهة أخرى، فكان هذا سبباً في تقلّص نفوذ سلطان عمان على الساحل وجزيرة زنجبار وتوابعها في الداخل .
وعلى الرغم من ذلك فقد بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي المؤثرات العربية الإسلامية تنفذ من الساحل الشرقي للقارة إلى منطقة البحيرات الاستوائية، في تنجانيقيا وأوغندا ورواندا وبورندي والكونغو. وهدف هذا النفوذ هو الحصول على العاج والرقيق، وكان عماد هذه التجارة سلطان زنجبار،السلطان سعيد 1806-1856، والتجار العرب والسواحيليين والهنود. ورافق هذا التوسع إنشاء مراكز تجارية، الهدف منها هو فرض سيطرة سياسية على بعض المناطق من أجل حماية امتيازاتهم التجارية، في المناطق التي وصلوا إليها لاسيما حوض الكونغو وأوجيجي على شواطئ بحيرة تنجانيقيا .
ومن أبرز التجار القادمين من زنجبار والذين شاركوا في توسيع النفوذ العربي وتكوين دولة عربية في أعالي الكونغو هو حامد بن جمعة المر جيبي المعروف(بتبو تيب) وخليفته ابنه سيفو، الذي اتخذ من كاسنجو عاصمة له، حيث تمكن المر جيبي من فرض سيطرته على كل المنطقة الواقعة جنوب بحيرة تنجانيقيا، وتمكن من ضم مناطق واسعة من روافد نهر الكونغو، وكان ذلك في عام 1870 حيث أصبح يتمتع بسلطات سياسية واسعة، لاسيما وأنه أخذ يفرض الضرائب ويعين الحكام ويحل مشاكل المواطنين، لكن نفوذه لم يستمر طويلا وذلك لمنافسة البريطانيين والبلجيك له. فقد أنهى مؤتمر برلين المنعقد عام (1884-1885) التنافس بين الدولتين المذكورتين معترفا بسيطرة بلجيكا على هذه البلاد، وبذلك أقرت الحكومة البلجيكية سيفو على إدارة الإقليم، مع استمرار ارتباط علاقاته مع زنجبار لتبادل المصالح، لكن الحكومة البلجيكية قضت على هذه الإدارة في عام 1894 . وبذلك قضت على آمال العرب في إنشاء سلطنة عربية في المنطقة تشابه سلطنة زنجبار.
ومما يدلل على قوة التأثير العربي وبالذات اللغة العربية هو ما جاء في مقال الكونت جاك دي ليشتر فيلد Jaques de Lichterveldeالصادر عام 1912، حيث أفصح فيه قائلا ان " الاستراتيجية التي تسمح للسكان المحليين بدرجة محدودة من الإلمام بالفرنسية، والتي ترى أفضلية ذلك على إلمام غير محدود باللغة السواحيلية. فالخيار الأخير سيقدم للسكان المحليين روابط متعددة جدا مع العرب في الشمال، وهو شيء قد يكون خطيرا " .
على الرغم من التوغل والهيمنة الاستعمارية في هذه المنطقة لكننا نتلمس بوضوح الوجود العربي وانتشار الإسلام في كينيا وأوغندا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بفضل التجار من زنجبار والسودان .
ونتيجة للسيطرة البرتغالية على سواحل القارة فقد انتقل خط التجارة الرئيسي من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى البرتغال أولا، ثم إلى باقي أقطار غرب أوروبا ثانيا. وانتقلت آثار هذا التحول إلى أواسط بلاد السودان وغربي أفريقيا حيث انتقل جزء كبير من تجار تلك المنطقة تدريجيا من مراكزه المنتشرة على أطراف الصحراء إلى المناطق الساحلية، في الجنوب والجنوب الغربي، التي يسيطر عليها الأوروبيون. ومن جراء ذلك، انخفض مستوى العلاقات التجارية عبر الصحراء بين العرب والأفارقة وان لم تصل إلى الصفر نهائيا، ولكن ظل مستوى العلاقات الثقافية والدينية كما هو حتى مطلع القرن العشرين .
وأخيرا لابد من القول إن الدول الاستعمارية طيلة فترة استعمارها للقارة استخدمت القوة والعلم والتبشير الديني لتحريف التاريخ في سبيل تشويه الروابط التاريخية الإيجابية بين العرب والأفارقة، ومنه إشاعة الأباطيل التاريخية بأن العرب هم تجار الرقيق الوحيدين في العالم وان صلتهم بأفريقيا هي صلة استرقاق من دون الإشارة من بعيد أو قريب إلى النشاط الفكري والتراث الحضاري، الذي تكون على الأرض الأفريقية، بسبب الاحتكاك بين الجنسين، وإلى مساهمة العلماء الأفارقة في الحضارة الإسلامية العربية. ومن أجل تأمين الهيمنة الكاملة عملت الدول الاستعمارية على فرض لغتها وثقافتها على الأفارقة جميعا، مع وضع عدد من الإجراءات الإدارية للحد من حركة التجار العرب في القارة كل في بلده.
وقبل أن نختتم بحثنا لابد من الإشارة إلى ان هناك محاولات عديدة يقودها مؤرخون ومفكرون غربيون وبلا تبريرات منطقية، وجلّها تصبّ في محاولات ترسيخ فكرة الفصل بين شمال القارة الأفريقية وجنوبها بل وإبعادها عن الاتصال بالمحيط العربي، من خلال استعمال العديد من المصطلحات مثل أفريقيا جنوب الصحراء وأفريقيا شمال الصحراء، وعند الغوص في هذه المصطلحات لغرض معرفة مبررات وحدود هذه التسميات سيتبين لنا عدم اتفاق مطلقيها على دقة حدود تسميا تهم لها، وعدم وجود مبرر منطقي أيضا، وسنجد مبررها الرئيسي يدور حول العمل على تفتيت وحدة قارة أفريقيا العضوية وللتفريق بين العرب والأفارقة تارة على أساس (مسلم \غير مسلم )، وتارة على أسس عرقية (زنوج \عرب)، (زنوج\قوقازيين)، (أبيض\أسود)، (أفارقة \عرب)، و بكل تأكيد فإنّ هذه المصطلحات لابد وان تفعل فعلها النفسي، مع ارتفاع نسبة الأمية في كلا الطرفين، وبالذات الجانب الأفريقي والتي أخذت تظهر في كتابات البعض منهم. وفي الختام نخلص إلى أن الوسائل المهمة التي ارتكزت عليهما جذور التواصل العربي الأفريقي هما العلاقات التجارية، و المؤثرات الحضارية. أما بالنسبة لفترة بزوغ الإسلام فقد تزايدت العلاقات عمقا، بواسطة المؤثرات الحضارية، كانتشار اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف في المنطقة التي أطلقنا عليها أفريقيا ما وراء الصحراء. أما فترة الاستعمار الأوروبي الحديث للقارة، فقد ترك أثاراً سلبية على التواصل العربي الأفريقي، وذلك بسبب الضعف و الانحلال الذي أصاب الدولة العربية من ناحية، والدور الذي لعبه الاستعمار في إضعاف الروابط بين الشعبين العربي والأفريقي خدمة لمصالحه الخاصة، كالهيمنة الكاملة على الطرق البحرية للتجارة العالمية، و استخدام اللغات الأوروبية محل اللغة العربية أو الأفريقية المحلية بحجة الحفاظ على العرف والتقاليد..الخ من ناحية أخرى. وبسبب تحديات العصر، تصبح دعوة تمتين التواصل بين العرب والأفارقة، بعد ان تعرفنا على مراحله، عن طريق الحوار الإيجابي، أكثر إلحاحا وجدية، وذلك لضرورات العصر الذي نعيش فيه، عصر التكتلات الإقليمية .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.