إن معادلة الحرية والعدالة التي قد توصل اليها جون لوك هي التي تهدهد الانسان من ظلم التاريخ وعبثة. لذلك كان ريموند آرون يرى أن فلسفة التاريخ بعد رفضه للهيغلية والماركسية قرار، واختيار، وفهم، ثم حكم. وهنا تظهر علاقة ريمون آرون بهوسرل والفينومنولوجيا. فالتاريخ الانساني مأساوي كما يقول ريموند آرون. من فكرة ضمير التاريخ نجد أن الديالتيك الهيغلي كما يرى إن ريموند آرون له بعدا ينطوي على بعدا دينيا، أي أن العالم يواصل مسيرته التي لا يمكن توقيفها حتى تصل الى غاية، كما ينتهي الدين الى غاية. ونفس غاية الديالكتيك الهيغلي التي تنطوي على بعدا دينيا، كانت الماركسية تنتهي الي غاية. وهي فكرة انتهاء الصراع الطبقي تماما كما الهيغلية التي تنتهي إلي غاية تنطوي على بعدا دينيا. لذلك كان ريموند آرون يرى أن التاريخ مأساوي لا يحمل أي معنى في داخله. وقد قال ريموند آرون إن التاريخ يرسل الانسان الى الفلسفة، وتعيد الفلسفة الانسان الى التاريخ. وإن التاريخ ظالم وعبثي. فالغاية التي تحدق فيها الهيغلية، وترنو إليها الماركسية، يعلن ريموند آرون عبرها إن الفلسفة المثالية الألمانية قد بلغت منتهاها في الهيغلية، والماركسية. وإن فلسفة التاريخ اليوم تبدأ برفض الهيغلية، والماركسية اللتين تنطويان على بعد ديني يسير بالعالم الى غاية. إن ضمير الوجود لا يسمح بغاية لتاريخ عبثي وظالم! ففي الهيغلية، والماركسية، وفكر الحركة الاسلامية، تختفي النزعة الانسانية. فلا مكان لحرية الانسان في عالم ينتهي الى غاية. وهنا تظهر عظمة ابن خلدون كمؤسس لعلم الاجتماع حينما أفرغ التاريخ العبثي الظالم من فكرة القضاء والقدر، وفاز على سابقيه على الأفكار, ولكنهم عجزوا عن عزل فكرة القضاء والقدر كأخوان الصفاء. على أي حال، سينحرج عقلنا السوداني من فكرة ابن خلدون وافراغ التاريخ من فكرة القضاء والقدر حينما يترنم مع محمد المهدي المجذوب رب سبحانك مختارا قديرا انت هيأت القدر. دعك من ابن خلدون عبر قرونه الغابرة، سينحرج العقل السوداني حتى من فكرة فوكوياما في نهاية التاريخ والانسان الأخير حينما فهم روح أفكار ماكس فيبر، وريمون آرون كعلماء اجتماع ومفهوم فلسفة التاريخ فيما ينام في حقول اجتماعهم. وأي إزدراء سيلاقيه العقل السوداني من منهج محمد أركون التاريخي في نظرته للعقل في تمرحله اللانهائي عبر التاريخ، عكس العقل الاسلامي الذي يحاول أن يكون خارج التاريخ، بل يريد محاكمة التاريخ عبر الايمان، والتقديس، والتبجيل. وقد أوضح محمد أركون أن العقل الدوغمائي قد أغلق ما كان مفتوحا ومنفتحا، وحول ما كان يمكن التفكير فيه، الى ما لا يمكن التفكير فيه! وهنا نلحظ إلتقاء محمد أركون في منهجه التاريخي مع ماكس فيبر، وريموند آرون في فهمه لفلسفة التاريخ. ففي نظر ريموند آرون، إن التاريخ الانساني ديالكتيكي بالمعنى الدراماتيكي، ويعمل في عالم غير متجانس في ترابطه منذ البداية، ويبحث عن حقيقة هاربة بلا ضمان من علم، أو تفكير مؤسس لضمان بلوغها. ويؤكد ريمون آرون إن التاريخ هو مأساة الانسانية. وهي تقوم بصنع تاريخها ولكنها لا تعرف التاريخ الذي تريد أن تصنعه. لهذا السبب قد أحب ريموند آرون أفكار ماكس فيبر، ورفض أفكار دور كهايم. لثلاث عقود والحركة الاسلامية السودانية تفرض كسادا فكريا يقف سدا منيعا أمام الفرد، والعقل، والحرية. يساعدها في بناءه الشيوعيون بفكر ترفضه فلسفة التاريخ اليوم بسبب بلوغ الفلسفة المثالية الألمانية الى منتهاها حينما انطوت الهيغلية، والماركسية على بعد ديني يجعل للتاريخ غاية كما يرى الدراسون لمقولة هيغل التي تنطوي على بعد ديني لاهوتي، وتبعه كارل ماركس حينما كان من ضمن الشباب الهيغلي، حراس الشعلة المقدسة. ومقولة هيغل "نحن الألمان نمتاز عن بقية بلدان وأمم أوروبا الاخرى التي تلاشت فيها الفلسفة ما عدا الاسم، في كون الفلسفة ما تزال تستمر فينا كخصوصية من خصوصيات الامة الالمانية لقد تلقينا من الطبيعة او الآلهة الرسالة العليا بأن نكون حراس الشعلة المقدسة." أن الحركة الاسلامية السودانية تريد أن تجعل من الشعب السوداني كحارس للشعلة المقدسة. وفلسفة التاريخ تقول غير ذلك لأن ضمير الوجود، وخبرة الانسان، قد فارقت كل فكر ينتهي الى غاية كفكر الحركة الاسلامية السودانية، والفكر الشيوعي. ويظهر ذلك في مقدمة في فلسفة التاريخ لريموند آرون في مقارباته الاجتماعية، والوجودية. وفيها يصحب معه الانثروبولوجي وعلم النفس. وعبرها يبدو الديالكتيك كمنهج يعرض نفسه على التاريخ بصحبة علم الاجتماع في صميمه كبعد فكري. وهنا تصبح فلسفة التاريخ، في نظر ريموند آرون، قرارا، واختيارا، وبرلمانا، ودستورا، في إحياء لفكرة ميراث العقد الاجتماعي في فلسفة إيمانويل كانت، وفلسفة ديكارت، وجان جاك روسو، وعلم إجتماع منتسكيو، وديمقراطية توكفيل، ونظرية العدالة لجون راولز، ترافقها مقولة ريموند أرون " فكروا في الحرية، تترأى لكم الديمقراطية بعيدا عن طبيعة، وأصل النظم الشمولية كالشيوعية، وأفكار مروجي أفيون المثقفين". في العالم العربي، نجد عالم الاجتماع العراقي علي الوردي يسير في طريق ماكس فيبر، ويرى أن التاريخ الاجتماعي، وظواهره الاجتماعية التي تمسك كل منها بتلابيب الأخرى، سلسلة بلا نهاية كسمة للحياة المعاصرة في مفارقتها لحياة البداوة. فمن الضروري تطوير مفاهيم عديدة لحل اضطراب العالم الحقيقي. وهنا تأتي أهمية علم الاجتماع! ونجد ماكس فيبر في 1909 في كتابه الاقتصاد والمجتمع، قد أصبح شرارة أشعلت أفكار ريموند آرون في دراسة علم اجتماع المجتمعات الصناعية في مقارنة بين الاتحاد السوفيتي، والغرب في الاقتصاد الحر، والتخطيط الاقتصادي، وجدارة الليبرالية في تحقيق معادلة الحرية والعدالة المختلة في التخطيط الاقتصادي للفكر الشيوعي. ومن فكر ماكس فيبر، وريموند آرون، كانت ثمرة أعمال فوكاياما في نهاية التاريخ والانسان الأخير. إن نهاية التاريخ والانسان الأخير لفوكوياما، في نظر كثير من الدارسين لفكر فوكوياما، ما هي إلا صدى لفكر ماكس فيبر، وريموند آرون. أيها الشعب السوداني، ضمير التاريخ يدعوك لرفض كل فكر غائي يجعل للتاريخ نهاية، كفكر الحركة الاسلامية السودانية، وفكر الشيوعين. يريد الاسلاميون ان يجعلوا من الشعب السوداني حارس الشعلة المقدسة. وهاهي معادلة الحرية والعدالة مختلة في السودان لما يقارب الثلاثة عقود، وهي عمر تسلط الحركة الاسلامية على الشعب السوداني. أطلبوا الحرية تترأى لكم الديمقراطية في برلمان، ودستور، وقرار، واختيار لعقد اجتماعي يصلح الخلل في معادلة الحرية والعدالة، بعيدا عن فكر الشموليات من كل شكل، ونوع كفكر الحركة الاسلامية السودانية، وفكر الشيوعية. فضمير التاريخ، وتجربة الانسان، قد أصبحتا ترفضان كل فكر تنطوي فيه غائية اللاهوت كفكر الحركة الاسلامية السودانية، وفكر الهيغلية، والماركسية. فلا تكونوا حراس الشعلة المقدسة للغائيين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.