حدّد نشطاء سُّودانيين في مواقع التواصل الاجتماعيّة، اليوم 19 ديسمبر يوماً للعصيان المدني، استمرارًا لنهج السلمية للاحتجاج على القرارات الاقتصادية الحكومية الأخيرة، والتعبير عن السخط العام ضد سياساتها. الدعوة هذه المرة أكثر تنظيماً من دعوة الاعتصام الأولى أواخر الشهر الماضي، التي استمرت لثلاثة أيام، وصفها مؤيدوها بالناجحة بينما قللت الحكومة من شأنها، كما أفاد رئيس الجمهورية عمر البشير في حواره مع صحيفة الخليج الإماراتية، حيث وصم العصيان المدني بالفشل بنسبة مليون في المئة. واختيار النشطاء يوم 19 ديسمبر، لدلالته، ففيه أعلن عن استقلال السودان من داخل البرلمان في العام 1955. الحكومة من جانبها، استبقت الدعوات بتصريحات حاولت فيها إظهار قوتها وعدم تهاونها، بتأكيدات رئيس الجمهورية في خطابه في كسلا قبل أيام. تحدي فيها دعوات العصيان، وقال إنّ إسقاط الحكومة لن يأتي عبر "الكيبورد والواتساب" بحسب تعبيره، مضيفاً، إنّ الإنقاذ قدمت العديد من التضحيات والشهداء في سبيل السودان. وبتحليل مضمون خطاب المسؤولين، يمكن ملاحظة إدراك الحكومة لقوة الوسائط الاجتماعية وقدرتها على تعبئة الجماهير للعصيان، ومن الواضح أيضاً أنها تجد صعوبة في احتوائه مقارنة بالوسائل التقليدية التي يمكن السيطرة عليها بسهولة ويسر، مثل مصادرة الصحف الورقية وإغلاق الإذاعات والفضائيات، كما تفعل في كل مرة حين تواجه بتحديات مماثلة. ومن ناحية أخري، سلمية العصيان تدخل الحكومة في مأزق، من خلال تفادي المعتصمين الدخول في مواجهات مفتوحة معها في الشارع، كما حدث في المرة السابقة في هبة سبتمبر / أيلول 2013، إثر رفع الدعم عن المحروقات، حيث استخدمت أجهزة الأمن العنف لقمع المتظاهرين وسقط عدد كبير من الأبرياء. وبالتالي استفاد منظمو الدعوة من التجربة، ما أدخل الحكومة في حيرة من أمرها. ففي السابق، نجحت الحكومة من تحصين نفسها إبّان ثورات الربيع في تونس، مصر، وبقية دول الربيع، عبر الحديث إن السودان قد تجاوز مرحلة الربيع، وإن السودانيين قاموا من قبل بثورة في أكتوبر6419، وإبريل 8519، وإن صيف السودان ساخن، هذه السردية مثّلت استراتيجية الحكومة في احتواء التذّمر وسط عضوية الحوب الحاكم وغالبية الشعب السوداني، على خلفية تأزم الأوضاع الاقتصادية بانفصال جنوب السودان وذهاب ثلاثي موارد الخزينة العامة وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي، فضلًا عن عدم الاستقرار السياسي وذلك بتجدّد الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالإضافة إلى مشكلة دارفور القائمة، ألا إن دعوات العصيان هذه تمثل اقوى اختبار حقيقي أمامها. المشهد السياسي الآن في السودان، تتصارع فيه عدة تيارات متباينة الرؤي حول الأزمات السياسية، الاقتصادية، والأمنية، فقوى "نداء السودان" أيدت دعوات الاعتصام ودعوا الشعب السوداني للاستجابة لتحقيق التغيير المنشود. أيضًا قدم تحالف قوى الاجماع الوطني مذكرة إلى الحكومة، تطالب بتنحيّ الرئيس وتكوين حكومة تدير المرحلة الانتقالية، بينما ابدعت قوى محسوبة على تيار الحكومة معارضتها العلنية لدعوات العصيان، حيث عبر عن ذلك الموقف، تحالف "قوى المستقبل"، بجانب حزب المؤتمر الشعبي، من خلال التأكيد على إن المخرج الوحيد للأزمات الراهنة، هو انفاذ مخرجات الحوار الوطني التي توصل إليه المجتمعون في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وعلى الصعيد الخارجي، عبرت الولاياتالمتحدة في بيانًا صدر باسم المتحدث عن الخارجية الأميركية، مارك تونر، عن قلقها من تهديدات الحكومة السودانية، وحالة القمع ضد وسائل الإعلام لتناولها دعوات العصيان المدني، فيما تم تأجيل زيارة ثابو أمبيكي رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوي لقضايا السودان وجنوب السودان إلى 20 ديسمبر كانون الأول بحسب ما جاء في الأخبار. من المبكر الآن القول إن دعوات العصيان ستحقق أهدافها كلياً. أيضا، من المبكر توقع نوعية التنازلات التي ستقدمها الحكومة في حالة استمرار العصيان. كذلك، من المبكر الحديث بكل ثقةً عن أسقاط الحكومة وسط تناقضات القوى في الساحة، وتباين موقفها من العصيان المدني كما سلفنا الإشارة. وباستقراء التجربتين في 1964، و1985 كما يشدد الواثق كمير في مقاله" توابع "العصيان ماذا ستفعل الحكومة؟ " نشرت في (سودان تريبون 18 ديسمبر/ كانون الأول). حيث يرى، إن التناقضات بين قوى المعارضة بشقيها المدنية والمسلحة، بالإضافة إلى مواقف القوات المسلحة السودانية من التطورات الحالية، عوامل يجب وضعها في الحساب، عند قراءة العصيان المدني. وإن ما سبق، محددات ستؤثر في مسار الأحداث. وبلا شك، إن المعطيات التي أوردها الواثق تحتاج إلى مساحة أكبر لتناولها في سياق التحليل، لأهميتها. ونخلص في هذا الجزء من المقال، إلى إنه من العسير التنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة، لكن ما هو مؤكد، إن العصيان سيسهم في تحراك المياه الراكدة في السياسة السودانية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ماد قبريال باحث في العلوم السياسية وطالب ماجستير - تخصص العلوم السياسية والعلاقات الدولية معهد الدوحة للدراسات العليا قطر- الدوحة عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.