بثت فضائية كسلا الاسبوع الفائت زيارات والى ولاية كسلا الاستاذ ادم جماع لبعض الرموز الوطنيين والمشاركين في صناعة الاستقلال المجيد من أبناء ورجالات ولاية كسلا ، وقد شملت الزيارة السيد / سليمان عثمان فقيري نائب حاكم الاقليم الشرقي ومحافظ كسلا ابان العهد المايوي والديمقراطية الثالثة . في هذا اللقاء سرد السيد / فقيري مشاهد تاريخية رائعة عن حب الأوطان وقال إن الوطن هو هويتنا التي نحملها ونفتخر بها، وهو المكان الذي نلجأ له ونحس بالأمان، هو الحضن الدافئ الذي يجمعنا معاً، وهو نعمة من الله أنعمها علينا، فيجب علينا أن نحميه وندافع عنه ونفديه بروحنا وأغلى ما نملك ، وتعرض الى سيرته التعليمية التي اعطتهم كل هذا الحب لهذه الأرض ، وكيف أنه درس جميع المراحل التعليمية بكسلا وبورتسودان والخرطوم وكان كل مايختص بأمر التعليم مجانا وميسرا ، بل ذكر أن الوطن قدم لهم كل شئ من أجل العلم حتى تذاكر القطار ذهابا وايابا ، وختم حديثه بأن للوطن حق كبير علينا لما قدمه لنا من تعليم وصحة وسكن ورفاهية !! حقيقة بعد أن ختم اللقاء سعادة المحافظ فقيري – اطال الله عمره – جالت بخاطري مئات الأسئلة بل آلاف النقاط الضبابية عما كان عليه السودان من حال ، وبدأت تطوف في خلدى كثير من المقارنات بين الأمس واليوم المعيش !! وكيف استطاع السودان أن يغرس حب الاوطان في نفوس الناشئة آنذاك ، وأن يردد كل منهم قول الشاعر : وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني اليه في الخلد نفسي ، وكيف كان السودان يوجه التربية والتعليم الى الإنماء الكامل للشخصية الانسانية ، وكيف أن التعليم والصحة حق لكل مواطن وأن الدولة تتكفل بكل المصروفات !! فذلك الجيل حقيقة نشأ على حب الاوطان والزود عنها بالغالي والنفيس كيف لا وان الوطن قدم له الغالي والنفيس دون تمييز في اللون والعرق والدين !! ففي سودان اليوم اأصبحت الدولة لا تشكل المفصل الأساسي والأكثر أهمية في رعاية شؤون الفرد والمجتمع، بل لا تسعى ولا تعمل على إقامة الحياة الكريمة للفرد العادي المتواجد بين ضفتي المجتمع ، وذلك بانعزالها عن تقديم كافة الخدمات العامة وعلى رأسها التعليم والصحة التي تفيد المجتمع بشكل عام ، وتغرس في النفوس حب الاوطان !! لقد ورث السودان في السابق تعليما أوليا مجانيا، لا يدفع التلاميذ فيه رسوم أو مصروفات وتوفر الدولة فيه للتلاميذ الوجبة والكتاب والكراس والقلم والحبر والإستيكة وأدوات الهندسة ...الخ وكان التعليم الأوسط والثانوي بمصاريف رمزية وهذه المصاريف لا تدفع اذا اثبت الطالب شهادة الدخل الصادرة من المجلس البلدي او السلطات المحلية الأخرى. ولم تكن المدارس تفرق بين الطلاب في المدارس الوسطى والثانوية على أساس المصروفات فجميعهم تصرف لهم الكتب والكراسات والأقلام والريش والمحابر ...الخ بل الدولة اليوم تطالب المجتمع بترك التعليم ، فسعادة د. الحاج آدم عضو البرلمان ونائب الرئيس السابق يدعو الى تحرير التعليم وتسليعه _ أي جعله سلعة _ متاحة للمقتدرين ماليا فقط ، أما غير المقتدرين عليهم طلب العون من الحكومة وديون الزكاة !! وفي هذا المقام يكفينا رد الحاجة عائشه نائبة رئيس البرلمان له : " الحاج آدم لو ما التعليم المجاني الآن كان بيكون ساكي ليهو غنم " بل كل الحاكمين بأمرهم اليوم تمتعوا بتلك الخدمات المجانية في السودان ، وعلى ذكر أيام زمان وتعليم زمان أذكر تلك الطرفة التي حكاها "حيدر المكاشفي" والتي تُروى عن الطالب الإقليمي الذي تم قبوله بجامعة الخرطوم أيام كانت جميلة ومستحيلة، قيل إن موعد وصول هذا (البرلوم الدايش) إلى الجامعة بل إلى الخرطوم لأول مرة تزامن مع ساعة الغداء، وبعد أن وضع شنطة الحديد داخل الدولاب توجه مباشرة إلى قاعة الطعام (السفرة) وتصادف أن كان ذاك اليوم هو يوم الوجبة الخاصة حيث كانت السفرة تحتشد بالمحشي والمحمّر والمشمّر وما لذ وطاب من لحوم البر والبحر والفاكهة والتحلية. فأقبل عليها صاحبنا بنهم وشراهة وشراسة وعبّ منها أقصى ما تسعه بطنه حتى "وقف قربة" ثم عرج على مبرّد المياه "الكولر" وعبّ منه كوزاًكبيراً أتى عليه وقرطعه بتلذذ حتى آخر قطرة فيه، ثم تمطى وتدشى (عااااع) وجذب نفساً عميقاً وقال "آآآه من كدّ وجد" . تلك كانت أيام خالدة للتعليم وذكريات حالمة خلت، نعلم أنها لن تعود ولا نحلم بالعودة إليها فالزمان !! عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.