هاجرت كثيرٌ من القبائل العربية إلى السودان في أزمان خلت، وكان أن حدث بينها وبين قبائل السودان أنذاك تمازج أدى إلى تكوين حياة الحضر في السودان اليوم وقيام كبريات المدن ، غير أن بعض القبائل الوافدة إلى السودان حافظت على بداوتها التي جاءت بها ومن ثم اشتهرت ببعض التراث الخاص بها ، ومن تلك القبائل الأبالة في السودان الذي نجدهم في معظم إتجاهاته ، في الوسط والشرق وبعض مناطق الشمال وفي بادية كردفان ودارفور ، ومن أمثلة الأبالة في بادية كردفان الكبابيش والكواهلة والشنابلة والحمر وقبائل دار حامد والمجانين . كل هذه القبائل تكتب في جانب الشعر ما يعرف بأدب الدوبيت أو المسادير وهي عبارة عن مربعات أو رباعيات كل رباعية تحمل معنى متكاملاً متصلاً أو منفصلاً . كما أن أبالة كردفان ودارفور يشتهرون بالأغنية الخفيفة التي يغنينها النسوة ليقوم الرجال بإصدار ما يعرف بالكرير أو الجراري الذي يعرف عن بقية قبائل السودان وقيل أن هنالك قبيلة واحدة في السعودية تشارك قبائل العربية في كردفان ودافور الجراري . ولعلي هنا احب أن أشير إلى أدب المسادير عند قبيلة المجانين التي وفدت إلى السودان في زمن ليس بالبعيد كما أشار د. الغالي الحاج في كتابه قبيلة المجانين الهُويَّةُ والتراث حيث أوضح أن المجانين يعتبرون من القبائل العربية التي آثرت البقاء في البيئة الجادبة بحثاً عن الماء والكلأ في مناطق الخيران والأودية ومراقد المياه في كردفان ، ولعلَّ تسميتهم بالمجانين حسبما تواترت الروايات تعود لجدهم الكبير احمد المجنون بن على بن هظلول والذي كما يروى كانت له بقرة للبن في البيت فجاءه ضيوفٌ ، ولما لم يجد ما يكرمهم به ، حلب لبن بقرته و أخذ عجلها الصفير ( المُتْلاب ) من تحتها وذبحها إكراماً لهم فقاموا إليه يمنعونه عن ذلك ويقولون له أأنت مجنون فسمِّي أحمد المجنون وصارت قبيلته من بعده تعرف بالمجانين ، والإسم كما ذكر د. الغالي في كتابه جاءوا به إلى السودان من الخارج حيث يرجِّح أنهم جاءوا به من المملكة العربية السعودية حيث توجد قبائل المجانين في المنطقة الشرقية ولهم نفس وَسْم الإبل الذي على إبل المجانين بالسودان ، وقد بيَّن ذلك حمد الجاسم في كتابه قبائل المملكة العربية السعودية حيث ذكر أن قبائل المجانين في السعوديه أربعة فروع : بني مِسفِر ، بني مُحْسن ، بني علي وبني جابر . اشتهر المجانين باللغة العربية الفصيحة وهذا ما سوف نتناوله في مبحث قادم ولكني أدلل على أدب المسادير لدي المجانين بقصيدة الشاعر فاروق محمد الامين المراد والتي كتبها في رثاء خاله ناظر القبيلة الحبيب جمعة سهل الذي كان من قيادات الإدارة الأهلية في السودان وكان معروفاً بالحكمة وإسهاماته الكبيرة في قضايا الصلح بين القبائل : فكتب قائلاً : رحل العندو قاموس في المجالس ساري رحل الكفُو كيف مُزْن السحاب الساري رحل الفارس اللا يْحُكْ ولا بْقوم جاري فرتاق ليَّة العوقْ والسلاح الناري *** رحل الليهو سُمعه وطاري تمساح لُجَّة الموج البِسَمُو عُشاري حتَّان المِداقرين قَرُّوا ليك إجباري سيَّان عندك البي مالو والدَّندَاري *** يا اخوانا البلد رحل السَّخِي البَقْدرْها رحل العندو دُوسِيها وأصول دفترها رحل الطبعو كل تقيله بتْصدَّرها رحل القيمتو عزْل السلطه ما ودَّرْها *** الليله البلد فقدتْ رشيداً قايد قاموس في العرف راياً محندد وصايد في العُظما المعاك ما لقينا ليك ندايد في كل المحافل توَّجوك محايد *** يا اخوانا البلد رحل العليها مظلِّل خريف الرَّازَّه رتَّاي المَعِِي المتهمِّل يسد صاهج حرورها وفي القبيح ما بكمِّل درَّاج المعايا ولي حمولهِنْ يزمِّل *** رحل الليله مُشهاب العلو الموقود رحل العندو طولة بال وحكمه وجود قبيلتك يا ابكفوف سرفت دموعها خدود منو الغيرك بحدِّرْها وبسِيسْها بقود *** الحُزْن العليْ ما شكيتو الموت أصلو حق دمع العيون داريتو جاموسْ خشَّة الوَعَرْ الحقاره مشيتُو كضاب القرب منو ولمسْ سُونكيتُو *** من رقد البحل عقد القبايل الشايكه قبيلتُه تجرَّعتْ مُر الحناظل لايْكه يا دُخري ام رشوم الزبَّنُوه في سبايكه مفقود خالي في اليوم الحضورُه مكايْكه *** يا شيخنا البِتصْدُر أمُرْنا كتمنا الدَّمعه آذتنا وغلبنا صبُرنا تبكيك كُلْ بوادينا وضواحي دمرنا كان ببْقالنا نفديك يا الحبيب بعُمُرْنا *** الدخري البمرقوك في الليالي الشينه بيتك قِبْلة الضايحين مخرِّف وعينه رقد الليله ابوكف النوايبو سنينه يا خيَّاتو قولنْ فوق حبيبنا رزينا *** كسَّار غارب الجي يصارعو أبو كف الرَّزم حجر الضفاف ومشارعو بالرَّاي السديد دايماً خصيمُه يقارعو مَدْ إيديك تقدير البشر ليك زارعو *** أيام العدم و البَسْره بيتك قبلة الفي حلقه غصَّه و حسره حاكيت حاتم الطائي و كرام البصره كرماً غير حساب نقدي و قهاوي و كسره **** سويت سمعة بمد ايدك الما شوية و أديت كل قريباً ليكَ دفعة قوية كفّاي البجوك قيمان مرارة و شيّة قاعد بره بيتك برلمان و تكية *** تمساح مقرن النيل المجازية جريرتو جفل كل سيَّاح الضفاف من جيرتو مُرَّاً حُور و لي حبَّانو بيضه سريرتو أسداً بلفح الجمل اللَّزوم بخبيرتو *** تمساح لية النيل النوايبو شوابك حجر المثني و الكوع لا سفن لا سنابك مو الجَّخَسْ الهسُوسْ الفي التَّفيهه بشابك أسداً سادل الوبر الحمر فِيه وْشابك **** خالي الفقدو واسعة مكانتو صبري عليهو بتولاها ربي إعانتو جِكْنِيبْ عَرْكَة اليوم التَّعيط جبخانتو ياتو الفينا بتشبّه يسد لي خانتو وكان قد قيل للشيخ جمعة ناظر المجانين أنذاك مالك لا تقول شعراً في مجانينك ، فرد قائلاً : أني ما بنكتُب الشعر لكن مرات مرات بنْغَني علي مجانيني بنقول : يا طير كان مشيت سلِّم علي امبدَّه وشِق الريحْ عليك لا ينخلِعْ سَدَّه ولا تُقْعُد تْنُودْ لا تشربْ الفدَّه مجانينَكْ بحمُلو اليومْ أبو عَجَّه وكتب أيضاً شيخ جمعة في الإبل قائلاً : لبَنْهِنْ بطرد الجوعه الخليطْها عَطَشْ ولدهن بقطع الفرقه أم سمومْ بِنْكش وبَرْهِنْ بقرع السَّاري البسوق مُو رش شيَّالات عشاهِن دش درَّاجاتْ جناهِنْ كيف نعام الوش أمَّات دُورَاً علي ملِّيطْ برُوغ القش mahammed mahammed [[email protected]]