عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. المرض السوداني; وأعني به عدم مقدرة جمهرة المتعلمين السودانيين علي مواصلة العمل الجماعي المنظم لفترة طويلة (و ذلك في أي تنظيم يتفقوا علي إقامته) بسبب عدم مقدرتهم علي ادارة الاختلاف بينهم . لاأظنني أحتاج لكثير عناء لاثبات ماإدعيته أعلاه ، فدونكم جثث التنظيمات السودانية المنشقة و المتبخرة وهي تملأ فضاءنا منذ 1956 وحتي الآن . رغم انه ليس هنالك طريقة علمية لقياس الامانة وحسن المعشر وغيرهما من الصفات الحميدة , ولكن المتفق عليه من الآخرين, غير السودانيين , هو أن الفرد السوداني - بصفة عامة - لايقل عن غيره في التخلق بالصفات الحميدة , هذا إن لم يتفوق فيها علي كثير من خلق الله .التناقض الكبير يحدث عندما يحاول هؤلاء الافراد السودانيين الاسوياء الاشتراك في عمل جماعي منظم طويل الأمد . فمثلا منظمة/جمعية بها مائة عضو سوداني لن تسير بقوة دفع مائة فرد - وهي المحصلة النهائية المتوقعة منطقيا, لأن ,تشاحن كثير من الاعضاء سيلغي بعضهم بعضا كالسالب و الموجب في المعادلة الرياضية. لماذا نحن هكذا ؟ وهل هناك نماذج ناجحة لتنظيمات طوعية سودانية مستدامة ؟ ولماذا أفلتت تلك التنظيمات - المستدامة و الناجحة - من لعنة المرض السوداني؟ هذه الأشياء تشغلني منذ زمن, ومااكتبه هنا هو اشراككم في تفكير بصوت مسموع , طرح أسئلة لا أعرف اجاباتها ولكنها مهمة جدا ، وذلك لكون المقدرة علي العمل الجماعي الناجح هي مفتاح التقدم للمجتمعات , والفشل فيه هو سبب التخلف . في محاولتي لفهم مصدر الداء تذكرت بأن أول عمل تنظيمي جماعي شارك فيه معظم المتعلمين السودانيين هو "اتحاد الطلبة" أو بالاصح المشاركة في "انتخابات إتحاد الطلبة" . وهنا يوجد منبع السبهللية التي تلازم بعضنا مدي الحياة . دعوني أوضح إدعائئ هذا . اي تنظيم في الدنيا يقام بغرض تحقيق هدف او اهداف محددة . وكلما كان الهدف واضحا كلما كان إحتمال النجاح أكبر . فمثلا جمعية ابناء ناوا بالخرطوم هدفها هو التواصل الاجتماعي بين اعضائها ودعم كل انواع الخدمات التعليمية والعلاجية بالقرية التي أتوا منها – ربما يشمل عملهم جمع مبلغ شهري لتوزيعه علي المعلمين و المعلمات بالقرية بغرض تحفيزهم . يفعلون ذلك عاما بعد عام بواسطة تنظيمهم الديمقراطي لمدة تزيد عن الخمسين عاما . هدف محدد يمكنك معرفة مدي و كيفية تحقيقه . قارن ذلك ب "اتحاد طلاب جامعة الخرطوم" , مثلا !. هدف "اتحاد طلاب جامعة ..." في كل زمان من المفترض أن يكون "العمل علي تمثيل مصلحة الطالبات و الطلاب في تلك الجامعة " . فهل هم يفعلون ذلك ؟ نحن نعلم كيف تتكون اتحادات طلاب الجامعات السودانية ومايصاحبها من تشنج و إقصاء للآخر الذي ليس من شيعتي . لأن الكل يركز علي مايفرقه من الآخر (حزبي أحسن من حزبه) وليس علي مايجمعهم كطلبة لهم نفس المشاكل الاكاديمية و المعيشية . وحتي أبرهن بأن عقلية اتحاد الطلبة (الاقصاءئ للآخر- و غير محدد الاهداف) لها هذا التأثير المدمر حتي لمن تركوا الجامعات منذ عقود , اذكركم بأن من كان يحكم السودان لمدة ما بعد انقلاب الجبهة كان مجلسا يسمي بالمجلس الاربعيني , تيمنا بالمجلس الاربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم . وذلك حتي يتواصل الاقصاء و تتواصل السبهللية . أول واهم خطوة للعلاج من اي داء هي الاعتراف بأنك تعاني من ذاك المرض . في الدول الغربية يعتبر الادمان مرض مثله مثل الامراض الأخري .و يقول العاملون لعلاج المدمنيين (كحول أو مخدرات) بأن أصعب شيئ هو إقناع المدمن بأنه مدمن . لأن لايري نفسه كذلك. لذا فنحن جمهرة المتعلمين السودانيين الذين يفترض أن نقود بقية افراد شعبنا الغلابة علينا الاعتراف بأننا نعاني من مرض عضال الا وهو عدم مقدرتنا علي العمل سويا في تنظيم ديمقراطي حديث . لذا فعندما نؤسس اي تنظيم حديث (جالية , حزب , منتدي ثقافي ....الخ) يستحسن ان نضع جرثومة هذا المرض في ذهننا . فكما المدمن الذي تمت معالجته ينصح بالابتعاد عن اصدقاء السوء و اماكن بيع الخمر كذلك علينا عند تأسيس تنظيماتنا و ضع ضوابط تفصيلية لكيفية معالجة الاختلافات و المشاكل التي ستقع حتما . هذا بالاضافة لتحديد هدف التنظيم بدقة شديدة و تحديد معايير قياسية لمعرفة مدي التقدم أو التأخر الحاصل نحو تحقيق الهدف . التنظيمات الوحيدة التي نفذت بجلدها من المرض السوداني و نجحت نجاحا باهرا هي الجمعيات و الاندية القروية , في المدن السودانية و المهجر , و بخاصة تلك الجمعيات و الاندية الموجهة لخدمات مواطني الشمال النوبي (جعية أبناء ....أو نادي أبناء ...). فلو طبقنا ضوابط نجاح و فشل التنظيمات عليها نجد أن تلك التنظيمات القروية تحدد أهدافها بدقة شديدة , تكتفي بالانتصارات الصغيرة, فهي لاتهدف لاصلاح كل الدنيا بل أصلاح أشياء محددة في قريتها. وتلك الجمعيات والاندية الصغيرة هي تنظيمات ديمقراطية مستدامة يزيد عمر معظمها عن ال 70 عاما (تأسس معظمها في الاربعينات الخمسينات من القرن الماضي). لم تحصل انشقاقات في الغالبية العظمي منها . نجحت تلك التنظيمات القروية التي قام بتأسيسها أباءنا و أجدادنا الذين لم ينالوا قسطا من التعليم يؤهلهم لفذلكات المتعلمين و نقاط نظامهم التي لاتنتهي . لو تواضع جمهرة المتعلمين السودانيين وقعدوا في واطة الله و درسوا لماذا نجحت تلك الجمعيات حيث فشلت تنظيماتهم لاستفادوا كثيرا. فهل هم فاعلون؟