"الحب لا توسط فيه، إما أن يهلك، وإما أن يخلص". وبما أن الحب لايقبل الوسطية، وهو بالتالي لايقبل الوساطة؛ فالحب من العلاقات الإنسانية التي لايمكن أن تقبل القسمة على أكثر من شخصين أثنين في المرحلة الأولى من العلاقة. وعند تطور العلاقة وتماهي كل طرف في الآخرن يخلق الحب لنفسه قواعد حسابية لايفهمها علماء الحساب؛ فيصبح الحب فعل يتشارك فيه شخصين أثنين، ويقبل القسمة على واحد. لايعيق تسرب الحب إلى القلوب عائق، لكن قد تقف العوائق سدا منيعا أمام استمرار هذا الحب، ومعظم علاقات الحب تُمتحن، وتُوضع في وجهها الكثير من العراقيل، عندها يلجأ الحبيبان إلى وساطة شخص آخر يساعدهما في حل هذه المشكلة، متناسيان قاعدة العشق التي تقول إن الحب لايقبل القسمة إلا عليهما فقط. فعندما يتحول العشاق من مرحلة بناء العلاقة إلى مرحلة الدفاع عنها، تسقط الكثير من القوانين التي وضعوها؛ ففي مرحلة البناء لايحكم العشاق إلا عواطفهم، ولايحكمون بينهم سوى قلوبهم، أما في مرحلة الدفاع عن الحب يظهر الوسطاء والأجاويد للتوسط وإزالة العقبة التي اعترضت طريق المحبين. الوسيط في العادة يكون صديقاً مقربً لأحد الأطراف، أو للطرفين معنا، ويتبرع من تلقاء نفسه ليلعب دور الوساطة، وأحيانا أخرى تكون الوساطة وفقا لرغبات أحد طرفي العلاقة، فيفرض على الطرف الآخر. يبدأ الوسيط في التفكير بطريقة ما يحل بها المشكلة، ويزيل سوء التفاهم الذي شاب العلاقة. بالطبع يصوغ الحل الذي يبحث عنه وفقا لمفردات حياته وتجاربه وخبراته الشخصية، ولو استطاع أن يجد المشكلة وينظر لها بعيدا عن مشاكله وتجاربه الحياتية؛ وهذا طبعا من الصعوبة بمكان، إلا أنه إذا حاول ونجح في عدم اسقاط تجربته على تجربة موضوع الوساطة فإنه لن ينجو من مشكلة تحييد المشروع والنظر إليه بمنأى عن خبرة الحب. فالوسيط مهما كان مقربا من أطراف العلاقة فإنه لايستطيع أن يدرك مدى تعلق الطرفين ببعضهما البعض؛ فالحب احساس يمسك بتلابيب الروح، ومن الصعب أن تنقل لشخص ثالت مدى ارتباطك وتعلقك بشخص تربطك به علاقة حب. لذا تظل مهمة الوسيط من الصعوبة بمكان، لأن التوسط في المشاعر من أعقد أنواع الوساطات. والوسيط لايتسيطع أن يدخل إلى قلب طرف من الأطراف ليقيس مقدار مشاعره التي يحملها للطرف الآخر، وتبنى نصائحه وفقا للموقف الأخير سبب المشكلة، أو وفقا لزاوية الشوف الذي ينظر بها للعلاقة، والوسيط في هذه الحالة يحكم في ما لا يدري. ومايبنى على عدم دارية لايؤخذ به. لذا دائما مايدخل الوسيط بنية سليمة لإصلاح (ذات بين أحباء) مختلفين، إلا أنه يؤزم ويعقد الموضوع بآرائه التي يطرحها لحل المشكلة، فتأتي الوساطة بنتائج عكسية، وبدلا من الإصلاح يكون الإفساد الكامل. فشروخ الحب يمكن أن تداوى إذا كانت بين أثنين، لكن مجرد دخول طرف ثالث فإن الجرح يكبر ويصبح أكثر اتساعا، مما ينتج عنه إستحالة مداواتها من جديد، لذا في المشكلات العاطفية إياك من الطرف الثالث، وليبقى الشعار: استفتي قلبك ثم قلبك ثم قلبك، ثم لاشيء آخر غير قلبك.