العنف البصري مصطلح يستخدمه التشكيليون للتعبير عن فوضى استخدام اللون مما ينتج عنه أذى مباشر لعين الناظر إلا أنني أستعيره اليوم للحديث عن نوع من أنواع العنف المسكوت عنه والذي تتعرض له المرأة بصورة يومية، وبلغتنا الدارجية يمكن أن نسميه "عنف المعاينة". وتحضرني وأنا أكتب أغنية الفنان إبراهيم اللحو "السمحة يا نوارة فريقنا يا العسل يا النشفتا ريقنا".. تلك الأغنية التي شكلت وجدان أجيال مختلفة والتي يقول في أحد مقاطعها "أنا ما سرقتا و أنا جيت أعاين"، و"المعاينة" في ذلك الوقت كانت من بعيد للبعيد بغرض الاطمئنان على المحبوبة. ومع تطور المجتمع وخروج المرأة للدراسة والعمل جرت مياه كثيرة تحت الجسر في طبيعة علاقة المرأة بالرجل واستطاعت المرأة أن تنتزع بعض الحقوق وما زالت تقاتل لانتزاع أخرى، وفي المقابل احتفظ الرجال بمكتسبات لا يمكن التخلي عنها ومن ضمنها حق "المعاينة" لكن هذه المرة من قرب وبذرائع أخرى. فالمئات من النساء يتعرضن كل يوم لحالات عديدة من العنف البصري الذي يمكن تعريفه بأنه نوع من "المعاينة" التي تحس فيها المرأة بأن من ينظر إليها يجردها من إنسانيتها كإنسان وينظر لها من زاوية أنها أنثى فقط. وتكون هذه النظرات بطريقة مؤذية وقد لا تمتلك المرأة إيزاءها شيئاً سوى أنها تعدل من جلستها حتى لو كانت جالسة "صاح" أو تصلح هندامها لتغطي المكان الذي اخترقته النظرات حتى لو كان مغطى. وفي الغالب الأعم لا تجرؤ واحدة بأن تقول ل(المعاين)" "إنت بتاعين لي كدة مالك؟"، لأنه في حالات العنف الذي يكون ظاهراً مثل العنف اللفظي والعنف الجسدي لو تحدثت عنه البنت وعبرت عن رفضها له، يكون هذا مدعاة لأن توصف بأن أهلها لم يحسنوا تربيها فما بالك بعنف ينتهي برمشة عين عندما يحول الناظر نظره باتجاه آخر. وبما أن هذا النوع من العنف صعب الإثبات يكون دائماً سهل الإنكار ويكون الرد الجاهز "متين عاينتا ليك؟".. وإذا دخلتِ في حوار لإثبات حالة المعاينة دائماً يعلو صوته و"يلم عليك خلق الله وطبعا كلهم حيطلعوك انتي الغلطانة الجابك في المجال البصري حقوا شنو"؟. والعنف البصري كما يصعب الحديث عنه وإثباته أيضا يصعب تجاوز آثاره النفسية التي تصل إلى مرحلة أن تكره المرأة تكوينها الجسماني الذي يجلب لها كل هذا الأذى، لذا هي دعوة متزامنة مع حملة مكافحة العنف ضد المرأة لتغيير زوايا "الشوف" أرجوك انظر إليّ وتعامل معي كإنسانة وليس كأنثى!! ملحوظة السكوت عن العنف البصري يفسر أحياناً بأنه حالة رضا وإعجاب لكن هو في الغالب الأعم قلة حيلة.. ملحوظة أخيرة تغيير زواية "الشوف" تعتمد أساساً على تغيير زاوية التفكير.