[email protected] (شفاف) كلمة كنا نرمي بها المقلدون لأفعال الآخرين في طفولتنا الباكرة وأعتقد أنها بهذا المعنى البسيط تأتي من لفظة الشوف وهو النظر أي أن ينظر الشخص لأفعال الآخرين ثم يقلدهم عليها وفي شروط اللباس الشرعي للمرأة فقد ورد أن لا يكون اللباس يشف عما تحته أي لا يستطيع الناظر اليها أن يرى ما تحته ومنها جاء اشتقاق الشفافية والتي تعني بناءً على ما تقدم أن يشوف الآخرين كل التفاصيل وقد استعيرت حاسة النظر والتي لا تعني بالضرورة أن يرى الآخرون وتتعداها الى ما سواها من سماع وعلم بالتفاصيل واستعيرت حاسة البصر لأنها الأصدق من بين الحواس إذا استثنينا خزعبلات الخداع البصري والتي غالباً ما تأتي في حالات اللهو والتسلية والمثل يقول ليس من رأى كمن سمع . الشفافية والشوف والعلم والإحاطة بالشئ لا يعكر نقاؤها إلا كل من يريد عكس ذلك وفي حالة أن يكون الشئ من القبح بمكان بحيث لا يريد الشخص إطلاع الآخرين عليه لتتحول لفظة الشفافية الى نقيضها تماماً ويطلق على الوضع لفظة التعتيم وهي التمويه والتعميه حتى لا يرى الآخرون ما تفعل . لفظة الشفافية تحتل المركز الأول في ترتيب المفردات البغيضة في قاموس السياسة وخصوصاً في البلاد العربية ودول العالم الثالث الذي لا أظنه متمسكاً بهذا الترتيب الى يومنا هذا، هذه الكلمة من أكثر الكلمات التي تثير حساسية السياسيين في بلاد العجائب وهي أيضاً من أكثر الكلمات إستعمالاً وكل يدعيها وهي المفترى عليها بعيدة كل البعد عن واقع الحال بل العكس صحيح فقد نهل الساسة عندنا وأصحاب النفوذ من أن التعتيم يصبغ على الشخص بريستيجاً ويمنحه كاريزما الأهمية ويرفع من مكانته بحيث يظهر الشخص في صورة الشخص المهم الذي يعلم ما يجهل الآخرون . من سلبيات غياب الشفافية في السياسة أنها تفتح الباب واسعاً للتكهنات وسوء الظن فكل قرار يجهل الآخرون الحكمة منه تترصده ألسنة التحليل والتحريف والتأويل التي قد تكون بعيدة كل البعد عن الواقع وتنمو الإشاعات وتترعرع في غياب الحقيقة، فعلى سبيل المثال إذا إفترضنا أن هنالك تعميماً من وزارة التربية والتعليم بتغيير لون الزي المدرسي دون الإشارة لسبب القرار سوف تجد من يقول لك إن الوزراء هؤلاء لديهم شحنة قماش تخصهم بهذا اللون يريدون تسويقها، لذلك جاء هذا القرار وهكذا على شاكلة ما تقدم تغيب الثقة في المسؤولين وهذا ما توصلنا اليه بالضبط في بلاد العجائب فحب السلطة والظهور والمشاكسة وتقاطع المصالح ينتج عنه تعميم وزاري على رأس الثانية في أمور لا يمكن أن تجد لها مبررات مقبولة أو أسباب منطقية وبدون ذكر الأسباب الشيء الذي جعل كل تحركات وسكنات المسؤولين تحفها الريبة والترقب والبحث في أسبابها وكل هذا بسبب غياب الشفافية . لن أكون ساذجاً في نهاية مقالي وأطالب بالشفافية لأن كل ما ذكرته معلوم لدى الجميع وأولهم السياسيين ولم آتي بالجديد وسوف أختم بمقولة إخوتنا المصريين في هذه الحالة (موت يا حمار)..