الذكريات هي ما تبقى في ذاكرتنا من أيامنا التي أسدل عليها الستار وتجاوزتها عقارب الزمن نحو الأمام، هي لحظات ظلت باقية على الرغم من تخطينا للشخوص والأماكن، هي مثل قوس قزح فظهوره وبحسب الأسطورة كان ميقاتاً بين الله وسيدنا نوح أن الطوفان سيضرب الأرض من جديد، واستخدامنا لكلمة ذكريات لتوصيف فترة مضت من حياتنا تعني أنها حبست في مواقيت اللاعودة. زاوية الرؤية لذكرياتنا تشبه إلى حدٍّ بعيد زاوية رؤية قوس قزح، فعند كل لون تكون هنالك زاوية رؤية مختلفة تماماً عن زاوية رؤية اللون الذي يليه، فلكل لون زاوية انكسار محددة في الماء تتحكّم في وضوح رؤيته، كذلك هم الأشخاص الذين يقبعون خلف سياج الذاكرة، فزوايا انعكاسهم نحددها بدرجة قربهم من قلوبنا، فكلما اقتربوا من القلب كلّما وضحت زاوية (شوفم) وأخذوا حيزاً كبيراً واستعصوا على النسيان. وبما أن الذكريات ملوّنة كما قوس قزح، ولكل شخص وموقف لون محدد، وبما أنه لا حضور للون الأسود بين ألوان قوس قزح، فإن الذكريات التي نلونها بفرشاة الخذلان والتخلي والغياب فنعمق سوادها، سرعان ما يبدأ اللون الأسود في الذوبات التدريجي وسط زخم الألوان ويتدرّج تارة نحو الأزرق ومرة نحو البرتقالي، ومرة نحو البنفسج، لتأتي لحظة ونراه أبيض بلا ثقوب سوداء فوحدهم الأشخاص القابعون في غياهب الماضي لدينا قدرة على إعادة تلوينهم من جديد. الذكريات يمكن أن نجعلها صادقة ونبيلة وممكن أن نجعلها كاذبة ولعينة، فنحن من لدينا قدرة على أن نقبِّح أو نجمِّل أو نقدِّس شخوصها ففي بعض الأحيان تكون الذكريات أجمل من الحياة التي عشناها، لأننا كلما تخطينا فترة من حياتنا عدنا لنراها بلون الحنين. الذكريات قابلة لأن نشاركها مع الآخرين، لكنها غير قابلة لأن نلونها حسب رؤاهم بفرشاة الصواب والخطأ، فنحن فقط من نملك حق أن نبعث فيها حياة اللون بعيداً عن فخ الصواب واللاصواب. لا تسمح لأحد بأن يعبث بذكرياتك، أن ينصب نفسه مقيِّماً لتجاربك الحياتية قبل أن يلتقيك، لا تسمح لأحد أن يطالبك أن تسقط جزءاً منها لأنها لا تتناسب مع وضعك الجديد، وفي نفس الوقت لا تقحمها في بداياتك الجديدة، استلهم منها لوحدك وبدون مساعدة آخرين ما يصلح لتلك البدايات، وحوصل ما تبقى منها في أكياس الذاكرة وأعد تعبئتها من جديد كلما انتابك يقين أن ما مضى أجمل مما سيأتي بكثير. ملحوظة أثرى النساء ليست من تنام متوسِّدة ممتلكاتها بل من تتوسَّد ذكرياتها حاجة أخيرة لا أفقر من امرأة لا ذكريات لها