الآمال معلقة حاليا في السودان على المبادرة الأفريقية الإثيوبية، خاصة وأن هناك مخاوف جدية من انحراف المظاهرات التي دعا إليها تحالف قوى الحرية والتغيير في 30 يونيو، في ظل وجود جهات من مصلحتها انسياق البلاد للفوضى. الخرطوم – يحبس السودانيون أنفاسهم مع اقتراب موعد المظاهرات التي دعا إليها التحالف المدني غدا الأحد، في كامل أرجاء البلاد، وسط تمنيات بنجاح الوسطاء الإقليميين والدوليين في حلحلة الأمور قبل انسياق البلاد خلف وضع أقل ما يوصف به أنه "مجهول". وتعددت في الفترة الأخيرة المبادرات لحل الأزمة السودانية وآخرها المسودة التي اقترحتها الوساطة الأفريقية الإثيوبية، لتقريب وجهات النظر بين التحالف المدني الممثل في قوى "الحرية والتغيير" والمجلس العسكري. ويشير المراقبون إلى أن الوضع في السودان ينساق إلى مربع خطير، ولكن هذا لا يعني إقصاء فرضية حدوث اختراق في الساعات المقبلة خاصة وأن طرفي الأزمة لا يزالان يدرسان المبادرة الإثيوبية الأفريقية. وتتضمن المبادرة تشكيل مجلس سيادي بالمناصفة بين المدنيين والعسكريين، بواقع سبعة أعضاء لكل منهما، واختيار شخصية توافقية مدنية لرئاسة المجلس، بالمقابل لم تتطرق المبادرة إلى النقطة التي وردت في المبادرات المعلنة السابقة وهو تمكين قوى الحرية والتغيير من 67 بالمئة في المجلس التشريعي، الأمر الذي قد يلاقي اعتراضا من الأخيرة. ووصف حزب الأمة القومي، الذي يتزعمه الصادق المهدي، الجمعة مسودة المبادرة، بأنها "تفتح الطريق للوفاق الوطني، وتسعى نحو تأسيس الفترة الانتقالية". وناشد الحزب قائد الحركة الشعبية/ قطاع الشمال، عبدالعزيز الحلو، ورئيس حركة تحرير السودان، عبدالواحد محمد النور، التجاوب مع المبادرة. وتابع "المبادرة فيها اجتهاد حميد، وما فيها من ثغرات يرجى أن يسند للمبادرة الوطنية (قدمها زعيم الحزب الصادق المهدي، الأربعاء الماضي) العمل على سدها". ورغم أن حزب الأمة ينضوي ضمن تحالف الحرية والتغيير إلا أنه لطالما مسك العصا من المنتصف، في العلاقة مع شركائه في التحالف المدني والمجلس العسكري. ووجه الحزب وزعيمه المهدي مرارا انتقادات لطريقة تعاطي الشق الراديكالي داخل الحرية والتغيير، مع المقترحات لحل الأزمة. وبعد قرار التحالف الذهاب في مظاهرات عامة حذر الصادق المهدي من تداعيات أي انحراف قد يفتح الباب أمام الجماعات الإرهابية كبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية. ودعا تحالف "الحرية والتغيير" إلى تظاهرات حاشدة في الخرطوم وفي أرجاء البلاد في 30 يونيو في محاولة للضغط على المجلس العسكري الذي يتولى قيادة البلاد منذ عزل الرئيس عمر البشير في 11 أبريل. وهذه أول دعوة حاشدة للتظاهر في جميع أرجاء البلاد منذ فض اعتصام المحتجين أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم في الثالث من يونيو التي خلّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى في صفوف المتظاهرين. فيصل بابكر: إذا وصلنا إلى اتفاق… ربما يتحول 30 يونيو إلى يوم احتفال وهناك مخاوف من حدوث انحراف في المظاهرات المنتظرة خاصة وأن العديد من الجهات المرتبطة بالمنظومة القديمة من مصلحتها حدوث فوضى، للقفز مجددا إلى صدارة المشهد. وكان تحالف الحرية والتغيير قد حمل المجلس العسكري وتحديدا قوات الدعم السريع المسؤولية عن فض اعتصام الخرطوم بالقوة، في المقابل تنفي تلك القوات أيّ مسؤولية لها معتبرة أن هناك جهات تنتحل صفتها لتشويه صورتها. ويقول محللون إن الوضع في السودان جد دقيق وأن التحالف المدني بخطوته التصعيدية يضع مصير البلاد على المحك، وهو يريد من جهة الضغط شعبيا على المجلس العسكري، ومن جهة ثانية يحاول إحراج الأخير دوليا خاصة وإن حدث أي استهداف للمدنيين من أي جهة كانت وهذا متوقع بشدة. وقال القيادي في "الحرية والتغيير" فيصل بابكر إن "ما شهدناه في الاعتصام من فض وحشي يجعلنا نتوقع أن تتم ممارسة عنف في وجه المتظاهرين". وجاء تفريق اعتصام الخرطوم بعد انهيار المفاوضات بين التحالف المدني والمجلس العسكري حول الجهة التي ينبغي أن تكون لها الغلبة في المجلس السيادي. ومذاك، قتل 130 شخصا معظمهم يوم فض الاعتصام، بحسب ما أعلنته لجنة الأطباء المقربة من "تحالف الحرية والتغيير". إلا أنّ وزارة الصحة السودانية ذكرت أن الحصيلة في ذلك اليوم بلغت 61 قتيلا فقط في كافة أرجاء البلاد. وظل التوتر مرتفعا بين الطرفين منذ فض الاعتصام. وبدأ المحتجون اعتصامهم أساسا لمطالبة الجيش بالإطاحة بالبشير قبل أن يستمروا لأسابيع بالضغط على المجلس العسكري، لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. لكن الجيش رفض تلك الدعوات، معتبرا أن الأوضاع الأمنية والسياسية لا تسمح بهكذا خطوة. وقبل تفريق الاعتصام، تعهد قادة الجيش مرارا بعدم فض تجمع المتظاهرين. وقال فيصل "إذا كنا على علم بأدنى رغبة منهم (الجيش) لاستخدام الرصاص والقتل لكنا من طرفنا قمنا بفض الاعتصام". وبات حشد المتظاهرين الآن تحديا كبيراً للمنظمين مع فرض المجلس العسكري حظرا على الإنترنت في أرجاء البلاد، خصوصا على الهواتف المحمولة. ونظم المحتجون تظاهرات صغيرة ومتفرقة خلال الأيام الماضية لكنّ قوات مكافحة الشغب فرقتها بسرعة. وتم حشد عشرات الألوف من المتظاهرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمشاركة في التظاهرات التي أدت إلى الإطاحة بالبشير. لكن مع انقطاع الإنترنت، لجأ قادة الاحتجاج الآن إلى تنظيم "حملات واسعة في الأحياء والولايات والمناطق". وأعرب فيصل عن أمله في أن تتحول مسيرات الأحد التي تتزامن مع ذكرى ثورة 30 يونيو في الجارة مصر التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان، إلى احتفالات في حال نجحت جهود التسوية. وأوضح القيادي في التحالف المدني "نحن ننتظر نتائج الوساطة"، وتابع "لا نرغب في أن نسير في اتجاه الصدام لأن هذا ستكون نتيجته الحتمية هي الفوضى". وقال فيصل بابكر"إذا وصلنا إلى اتفاق… ربما يتحول 30 يونيو إلى يوم احتفال" . شارك