عندما صرح السيد باقان اموم قبل سنوات واصفا الدولة السودانية بالفاشلة قامت الدنيا ولم تقعد و طالب الكثيرين بمحاسبة باقان الذى كان وزيرا لرئاسة مجلس الوزراء فى تلك الفترة بل و طالبوه بالاعتذار على ما سموه تعدى على هيبة و كرامة الدولة و كأن باقان قد اتى بهذا الوصف من محض خياله و ان نجاح السودان يضاهى الامارات و ماليزيا . ما الذى نجح فيه السودان منذ استقلاله قبل اكثر من خمسين عاما حتى لا يكون دولة فاشلة . هل نجحنا فى ادارة انفسنا و تنوعنا الثقافى و الاجتماعى و سخرنا موارد و طاقات البلاد الهائله من اجل تنمية و رفاهية المواطنين ام كان الفقر و الجهل و المرض و الحروب و النزاعات و تفشى القبلية هو السمة و العنوان. هل نجحت حكومات دولتنا المتعاقبة فى خلق نسيج اجتماعى جامع يدرء عن البلاد و العباد شر التفرقة القبلية و العنصرية التى مزقت البلاد الان ام هى من كان يلعب على وتر العصبية و القبلية متبعة سياسة فرق تسد.. حيث مارست الدولة فى الستينات الاسلمة و التعريب القسرى على ابناء الجنوب و عملت حكومة الصادق كذلك على تسليح القبائل و بث الفتنة بينها ( المراحيل ) و مجزرة الضعين شاهد عليها. و قامت الدولة فى عهد الانقاذ بتعبئة الشباب فى الشمال للجهاد ضد المواطنين فى الجنوب و تعميق الهوة بين ابناء الوطن الواحد . هل استطاعت الدولة ان تدير و تحافظ على مشروعاتنا القومية الكبيرة كمشروع الجزيرة والسكة حديد ام ان واقعها الان هو الخراب و البوار . وماذا حل بمؤسساتنا القومية العريقة و نظامها الادراى الذى تركه الانجليز مضربا للمثل فى المنطقه .. كيف كانت مصلحة البريد و البرق و اين انتهت.. و لسنا بمعرض عن الحديث عن الخطوط الجوية و البحرية و النقل النهرى .. دعونا من كل هذا هل نجحت الدولة فى وضع دستور دائم لبلادنا طيله كل تلك السنين حتى يجنبها ما خاضته من حروب و ازمات سياسية مزمنه هل صنعت مؤسسه عسكرية قومية وطنية ذات عقيدة مشتركة تقوم على حماية البلاد و صيانة دستورها ام كانت المؤسسة العسكرية اداة للتعدى على السلطة و الشرعية ناهيك عن ما مارسته من مجازر و اعدامات بالجملة طيلة سنوات حكمها ( مايو – الانقاذ) وما خاضته من حروب طويلة ضد شعبها .. ثم كيف كانت ديمقراطيتنا ؟.. الا يتعارض بناء الاحزاب الديمقراطية الحديثة اساسا مع مفهوم و لفظ الطائفية هل كانت الديمقراطية مفتاح حل لمشاكلنا و ازماتنا المتمثلة فى الدستور و وقف حرب الجنوب و دفع النمو الاقتصادى ام كانت مسرحا للهرج و المرج وتفشى الفساد و استشراء القبلية و المؤامرات الحزبية كل يسعى لاسقاط وافشال الاخر .. من المسئول عن اهدار تاريخ و حضارة السودان و اغراق مدينة وادى حلفا اكبر اهم المدن السودانية فى ذلك الوقت و ما صاحبها من تهجير مجحف لسكان حلفا اليست الدولة السودانية هى المسئولة .. و كيف ننظر الان لانضماننا الى جامعة الدول العربية هل عزز من قوتنا ام جلب لنا الزلة و المسكنة ( هل قبل العرب عروبة عنتر بن شداد حتى تقبل عروبتنا ) اما كان فى استطاعة السودان ان يقود العرب و الافارقة معا مستفيدا من موقعه الجغرافى و تنوعه الثقافى و تعدده العرقى بدل من دورالكمبارس الذى تلعبه الدولة الشاسعة ذات الموارد الهائلة .. ( لقد رفضت ارتريا الطلب الذى قدم لها للانضمام الى الجامعة العربية حفاظا على وحدتها الوطنية و نيسجها الاجتماعى المتعدد). اين مظاهر النجاح فى دولتنا التى تتمزق و تندثر حتى قبل ان يكتمل بناءها الم نكن ومازلنا رجل افريقيا المريض بحروبنا و فقرنا و جهلنا و تقسمنا .. لا نريد ان نتحدث عن دولة الانقاذ وفسادها و ما قامت به من خصخصة لكل مؤسسات الدولة بعد عجزها التام فى ادارتها و حرمان المواطن من ابسط حقوقه او عن مشروعات السدود ذات القروض الربوية التى سيدفعها المواطن من جيبه او اموال البترول التى تذهب الى المنتفعين و يصرف الباقى على الحرب لا نريد الخوض فى كل هذا لكن هل نجحت الدولة السودانية على الاقل فى مكافحة الملاريا التى تحصد الارواح منذ سنين عددا او القضاء على شلل الاطفال الذى يتهدد اجيالنا او درء اثار الخريف التى تقتل و تشرد الالاف سنويا .. هل يمكن ان نسمى انفصال السودان نجاح؟ هل اوقف فصل الجنوب الحروب و النزاعات ام ان اطراف و اقاليم السودان لاتزال مشتعلة و تطالب بالحكم الذاتى و الانفصال . كيف هو النجاح ؟ و ماذا هو الفشل اذن .. و نحن دولة تعانى الفقرو المرض و الجهل و القبلية الحروب و الانقسام والفساد فى كل اجهزتها لن نجد نجاح للدولة السودانية سوى فى الفشل. كل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال لم ينجح احد . قد يقول قائل ان مصيبة السودان فى حكامه (مع انى اعتقد ان المجتمع يتشارك الفشل ) او ان القدر هو من جعل السودان لعبه فى يد من لا يستحق ان يحكمه لكن هذا ايضا لا يعفى دولنتا من الفشل و الضياع التى تعيشه منذ نشأتها تلك هى الحقيقة واضحة و مجردة ولا سبيل لنا او حل سوى الدعوة التى اطلقها الراحل المفكر د. جون قرنق جول اعادة بناء الدولة السودانية على اسس جديدة و سليمة و عقد المؤتمر الدستورى الجامع يشارك فيه كل السودانيين سواسية و يتفقوا بداية حول كيف يحكم السودان و وضع دستور دائم يكفل حقوق الجميع و يقيم دولة المؤسسات و الحكم الرشيد. مؤنس فاروق هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته