لست أدرى لماذا قامت السلطات باغلاق مركزى الدراسات السودانية لصاحبه الدكتور حيدر ابراهيم ومركز الخاتم عدلان؟ ربما تحتج تلك السلطات بأسباب مهما قيل عنها أسباب واهية وربما غير دقيقة كما صرح مؤخرا قيادى نافذ فى السلطة مطلوب منه نشر اتهامه والا يصبح مجرد مكايدة سياسية ليس الا لا تسندها الوقائع. ومن الغريب جدا أنه فى ظل ما يطلقه قادة النظام من دعوة السودانيين للحوار والمشاركة السياسية وفى وضع الدستور تقوم السلطات باغلاق هذين المركزين اللذان يعتبران رئة يتنفس بهما من له رأى آخر ويساهم بفكره ورؤاه فى القضايا السودانية من منطلق مايعتقده صوابا. ان اغلاق هذين المركزين أمر خاطئ بل بالغ الخطورة فهما لم يحملا السلاح أمام الحكومة ووسيلتهما الوحيدة هى الكلمة والندوات المفتوحة والكتابة والنشر كما يفعل ذلك الدكتور حيدر ابراهيم فى القاهرة وكان قبل مغادرته يقيم الندوات الفكرية ويساهم بالكتابة فى الصحف فهل وصل بنا الحال الى أن نضيق ذرعا بالرأى الآخر الى هذا الحد؟ ان قادة الإنقاذ يقولون ان الوسيلة الوحيدة للمشاركة السياسية هى عبر الانتخابات الحرة فما هى مستحقات تلك الانتخابات اذا كنا نضيق بالرأى الآخر ولا نسمح له أن يعبر عن رأيه بكل الأريحية والسماحة بل مقتضى العدل و المساواة مع عشرات بل ربما مئات مؤسسات المجتمع المدنى وجمعيات ومراكز الدراسات التى تتبع لنظام الإنقاذ وغيره. ان وجود مثل هذين المركزين يعملان بحرية ويتخذان الوسائل الفكرية السلمية يعطى انطباعا بأننا ننهج منهجا ديمقراطيا وبالعكس فإن اغلاقهما يعطى انطباعا بأن كل التصريحات التى تتحدث عن الحرية و التحول الديمقراطى والمشاركة بالأسلوب السلمى مجرد خداع ما يعمق الشعور بعدم الثقة ويعطى حججاً واضحة لحملة السلاح والعالم أن النظام لايقبل بالحوار السلمى ويضيق بالرأى الآخر ومن ثم يبرر حمل السلاح. حقيقة أنا لا أفهم كيف يقرأ البعض آيات الله ويقول إنه يؤمن بتطبيق الشريعة وفى القرآن من الآيات ما تدعو الى حرية الاعتقاد و الفكر وحرية الرأى الآخر، قال تعالى ( لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى). ( أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟ وكثيرة هى الآيات التى تعكس رأى غير المؤمنين فما بالنا نضيق ذرعا بمواطنين سودانيين مسلمين مؤمنين يختلفون مع النظام فى قضايا سياسية فقط؟ الى متى نستمر فى هذا النهج الذى يكرس الاحتقان وعدم الثقة و يجعل من السودان موضعا للصراعات والنزاعات السياسية التى دفعت بسبب الضيق بالرأى الآخر الى حمل السلاح أو الخروج من البلاد تعكس للعالم أننا أمة نضيق بالرأى الآخر ونعصف بمعارضينا لمجرد الخلاف السياسى؟ ولعل هذا ينطبق على واقعنا الاقتصادى حيث نتخذ من السياسات المالية و القرارات والاجراءات النقدية والائتمانية ما ننفر به مليارات العملات الحرة للسودانيين المغتربين من أن تأتى لوطنها بل خرج كثير من الناس بأموالهم للخارج منهم من باع عقاره أو اشترى عملات حرة وتركها بالخارج يعيش هناك من عائدها السنوى تكفيه هو واسرته لعيش كريم ويتلقى أبناؤه تعليما عاليا بل يعيش فى بحبوحة.لماذا لا نجعل من بلادنا واحة سياسية واقتصادية وثقافية وسياحية واجتماعية وقد حبانا الله بخيرات كثيرة؟ حقا قال الشاعر: لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق.