المنصة عالية والحشود غفيرة ومستنفرة وجاهزة للهتاف، والشاشات تنقل الحدث، وعيون العالم ترقب وتتأمل .هل هناك أفضل من هذا المشهد كي يقفز إليه أي شخص حالم بالوصول إلى “الزعامة" وتحقيق مكاسب سياسية والفوز بمقعد أو منصب رسمي؟ هذا المشهد الرائع المكدس بالملايين في ميدان التحرير في القاهرة، يدغدغ مخيلة كثيرين من الطامعين بالسلطة أو بتحقيق مكاسب على حساب الثورة، وقد رأينا وجوهاً لم نرها من قبل، وأخرى كانت مغيبة ومحظورة، تقفز إلى الواجهة لتهتف وتبدو كأنها “أم العريس"، وتزايد على من دافعوا بأجسادهم وأرواحهم عن ثورتهم كي تتحقق وتصل إلى ما وصلت إليه، ولن نقول إلى النصر لأن الطريق إلى تحقيق الحق والعدل مازال معبداً بالأشواك . لو أراد أي حزب أن يجمع حشوداً تؤيده في ميدان التحرير، لن يتمكن من جمع هذا الكم من البشر، وسيعجز عن شحذ هممهم كما فعل شباب “ثورة 25 يناير" . ولن تخلو الساحة أمام من غيّبتهم السلطة عن السياسة طويلاً كي يبرزوا كما هو حاصل الآن في فترة “الانتظار" البطيء، حيث الكل يترقب والحكومة تسعى إلى التغيير بحذر . ولعلها الفترة الأكثر خطورة على مستقبل مصر وعلى مصير الثورة ومسارها، إذ إن “الوقت الضائع" أو الميت، يتيح للفريق الآخر أن يخطط ويعمل على الالتفاف حول الثورة للانقلاب عليها بطريقة غير مباشرة . من يراقب الأحداث البسيطة والمتفرقة من هنا وهناك، يشعر بأن الخطر موجود وبأن “الأيادي الخفية" تلعب من خلف الكواليس وتحرك بالخيوط دُماها كي تتمكن من السيطرة مجدداً على الساحة المصرية . فجأة منع بعض الحراس وائل غنيم من الصعود إلى المنصة يوم الجمعة الماضي ليقول كلمة باسم شباب الثورة، والكل يعلم أن غنيم هو المحرض الرئيس لهذه الثورة، وأنه لا يطمح إلى أي منصب سياسي، وفجأة بدأنا نسمع عن دعوة إلى التسامح ونسيان كل ما فات وفتح صفحة جديدة، أي أن يغض الناس الطرف عن محاسبة أي من رموز العهد السابق . وكثر الحديث عن “الثورة المضادة" التي يراد بها الانقضاض على ثورة 25 يناير . في الكواليس من يخطط لاختطاف الثورة من أبنائها . كيف التصدي له وهو مقنّع ومتخفّ؟ الحكمة والوعي سلاحان مطلوبان بشدة الآن كي يستمر النضال ويتحقق العدل ولا يذهب دم الشهداء هدراً . والتغيير لن يتحقق في أيام، و"المهزوم" لن يستسلم بسهولة لهزيمته ولن ييأس من محاولات العودة، فحافظوا على وحدة الكلمة والأهداف، حتى لا يندس بينكم المندسون والمخربون وخاطفو النصر . حكّموا عقولكم كي لا تُسرق الثورة منكم، ضعوا أهدافكم نصب أعينكم واخرجوا من الشوارع لتأطير وتنفيذ ما تحملونه من مطالب وأفكار ومبادئ . إنها فرصتكم فلا تفوتوها، وأمسكوا خيوط “اللعبة" بأيديكم وأسنانكم، ولا تخافوا على الميدان، فهو محروس بشهدائكم والشعب يقف خلفكم . المصدر: الخليج 21/2/2011