لما كانت الحركة الشعبية ترهن وحدة البلاد مقابل تحقيق شروطها كانت العلمانية وكتابة دستور علماني هو اكبر مطالبها ،عندما قالت الحركة الشعبية بلسان ممثلها افريكيل غاتكوث عبر حواره بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية2010ان للحركة ثلاثة شروط تجعل أهل الجنوب يصوتون للوحدة تتمثل في تقديم اعتذار من جانب الشماليين بما لحق بالجنوبيين ،وان يكون هناك تعويض علي الخسائر المالية لحرمانهم من أموال البترول خلال سنوات الحرب ،وانتخابات حرة لكتابة دستور علماني مستقل من خلال مطالبة ان الاستفتاء آخر خطوات اتفاقية السلام الشامل ،وكما وضعت الحركة الشعبية بعد ذلك وحدة السودان في ظل سودان ديمقراطي علماني ،حتى وان اختار أبناء الجنوب الوحدة مؤكدين علي ان ذلك لن يكون علي أساس المؤسسات والنظم والمبادئ التي أرساها نظام الإنقاذ . الحركة تريدها علمانية : خلصت الحركة الشعبية الي ان تبنيها للعلمانية من اجل منع التميز وإشاعة العدالة بين مواطنيها متعددي الأعراق والمعتقدات ،ولكن ما تريده الحركة لتحقيق ما ترنو إليه هو ان تفكر بكل معتقدات شعبها والحياد ،وهذا ما يقودنا الي ما أورده الأمين محمد احمد في كتابه (عندما يسقط الجدار )الذي تناول فيه تاريخ وأهداف العلمانية وأشار فيه الي ان تاريخها موافق لعهد التنوير في أوروبا مرورا بتطويرها الفلسفي وانعكاساتها العملية في نقل حياة الأفراد والأنظمة الغربية مرورا بما سببته من إشكاليات وأنماط حياتية وثقافية دخيلة خصوصا وسط المسلمين في العالم الإسلامي ،كانت العلمنه من الأدوات الخفية الماثوتية حسب ما تقصاه البروفسير (جون كير )مدير مركز أبحاث الديمقراطية بجامعة وستمنستر بواشنطن ،مستعرضا الظرف الذي نشأت فيه العلمانية ،وخلص الي ان العلمانية ،قد ظهرت قبل مائتي عام لمواجهة تسلط الكنيسة ،وان دور العلمنة انتهي بانتهاء دور الكنيسة .وان تعريفها بمفهوم الغرب أنها عملية إخضاع الدين للمجتمع والدولة ،وقد شرح كين انطلاقا من فكر (توماس بين )في كتاب(the adge)الذي مضي علي كتابته قرنان من الزمان مبينا انه جاء ثمرة مرحلة عاشت خلالها فرنسا رعبا لا مثيل له في تاريخها بسبب اضطهاد الكنيسة للفكر والعلم ،وانه استهدف سلخ المسيحية من الحياة المدنية ،ولكن بين دافع أيضا عن فكرة وجود (الخالق)،ولما رأي من استكبار رجال الكنيسة عارض بشدة استخدام القوة لنزع الديانة المسيحية من المجتمع خشية علي القيم والأخلاق من الانهيار ،كما ان هناك ثوابت تبدو واضحة في تجربة الإنسانية علي ان الدين لا يمكن ان ينزع نهائيا من حياة الناس ،أنما الذي نجحت فيه الماثونية العالمية هو إنفاذ احدي وسائلها وهي العلمنة وهي ببساطة تعني إخضاع الدين لنظم مدنية أوجدها البشر وصارت لها السلطة العليا . لذلك نجد ان عالما بلا إسلام أو دين تصور ماثوني وقد نقله العلمانيون العرب للعالم الإسلامي دون مراعاة للفوارق الشاسعة بين الإسلام والمسيحية وغيرها من الأديان .وظهور العلمانية في الغرب بسبب علو الكنيسة وقتها ،فلا توجد ثمة ظروف متشابهة في بلاد الاسلام التي تحكمها تعاليم متسامحة كاملة وصالحة لكل زمان ومكان . الحركة الشعبية نصرانية ام ماذا ؟ صرح الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب في 27ديسمبر 2009في صحيفة أجراس الحرية عندما ابدي استياءه من أوضاع النصارى في السودان وقال ان عددهم 7%دون تبيين لمصدر الإحصاءات ،رغم ان ما صرح به مشار هو من اختصاص وشان قادة الكنائس وهو نائب رئيس حكومة الجنوب والحركة الشعبية التي تتبني العلمانية منهجا وسلوكا ،بل يشير تصريحه الي ان للحركة الشعبية دينها الذي تدعو له ،وإنها تتلبسها روح الصليبية ،كما جاء في المقال بقلم خالد هاشم (محض تساؤل )ان شواهد ذلك من أيام الحرب التي وجدت فيها الحركة الشعبية دعما كبيرا من منظمات كنيسة متطرفة مثل منظمة العون الكنسي النرويجي مع العلم بان الحركة الشعبية ما زالت تتلقي الدعم السياسي من داخل الكونغرس الأمريكي من نواب وشيوخ معروفين بالانتماء للنصرانية . المشروع الإسلامي حال دون حدوث الوحدة : تجدد الجدل حول أسباب الانفصال ورفض الجنوبيين للوحدة وإصرار الحركة الشعبية علي قيادة أهلها باتجاه الانفصال برغم حديثهم عن الوحدة ،قالت الحركة الشعبية بلسان مسئوليها ان السبب الحقيقي للانفصال هو المشروع الإسلامي وأنها مستعدة للوحدة بشرط ان يتحول السودان الي دولة علمانية لا دينية ،ثم عادوا أيضا يجادلون حول ذلك بعد ان أصدرت الحركة الشعبية (وثيقة )تحدد فيها موقفها خلال اجتماع الحركة في جوبا منتصف اغسطس 2010اكدت فيها ان الخيار الأفضل للحركة الذي ظلت تدعو له خلال ربع رن من الزمان هو الذي أكدت مسبقا في مانفيستو الحركة الشعبية عام 2008هو قيام سودان ديموقراطي موحد طوعا في ظل التنوع وان رغبة حزب المؤتمر الوطني في التمكين لنظام ديني ديموقراطي لا يضمن ادني حقوق المواطنة التي كفلتها اتفاقية السلام الشامل ،كما استبعد دينق الور القيادي بالحركة تعامل القوي التقليدية مع علمانية الحركة استبعد إمكانية تحقيق الوحدة وهي اصطدامهم بما وصفه بالواقع الصعب وان ذلك يجعل من إمكانية خيار الانفصال لا الوحدة . التوترات ما بين علمانية الدولة وواقع العنف الطائفي والعلاقات بين الأديان المختلفة في سياق المجتمعات ،قد جاء تصريح الدكتور محمد الحسن بان غالبية شعب الجنوب يعتنقون الوثنية وان عدد معتنقيها سابقا يقدر ب60% ولأنه لا توجد إحصاءات حقيقية لهم بل هم يقلون بسبب التزايد الكبير للديانة النصرانية لان من ورائها منظمات تنصيرية فاعلة أقدم من العمل الإسلامي في الجنوب . قد حدثت تواترت في الهند وهي علاقات تعود الي القرن الحادي عشر علي الأقل ،كان الهم الأساسي هو علاقة الطائفة المسلمة بالدولة والطوائف الدينية الأخرى لإضفاء الشرعية علي علمانية الدولة ،وهل يضعفها مفهوم وممارسة تتشكل في سياق محدود ،وقد جاءت الاستنتاجات التي خرجت بها الحالة الهندية وغيرها من الدول هو الحاجة لتوضيح العلاقة بين الدين والدولة والسياسة فيما يتعدي مجرد التأكيد علي علمانية الدولة وحيادها نقلا عن صحيفة السوداني بتاريخ 23/2/2011م