لاشك أن الإطاحة بنظامي القذافي وحسني مبارك ستؤدي إلى إضعاف موقف الحركات المسلحة بدارفور، وهو ما يعتبره كثيرون من أهم المصالح التي تجنيها البلاد جرّاء غياب هذين النظامين اللذين كان لهما دور محوري في إيواء ودعم تلك الحركات، لا سيما العدل والمساواة، التي توثقت صلاتها مع الجماهيرية للدرجة التي دفعت الأخيرة لدعمها في غزوها للعاصمة السودانية في مايو 2008، وبطبيعة الحال فتح أراضيها لإقامة معسكرات تدريب لقواتها، وازدات قوة العلاقة بين الطرفين بعد تطبيع العلاقات السودانية التشادية خلال العامين الماضيين، الأمر الذي شكل ضربة قاصمة لحركة العدل والمساواة، أما مصر مبارك فلم تألو جهدًا في الترحيب بالحركات المسلحة، وعلى رأسها العدل، التي كانت أول زيارات رئيسها للقاهرة في 2003، أما زيارته الثانية فقد كانت في التاسع من مايو للعام2010 عائدًا من الدوحة، بعد أن علق المشاركة في المفاوضات مع الحكومة، ورفضت مصر آنذاك تسليم خليل للسودان، الذي تقدم بطلب للإنتربول الدولي لاعتقاله في جرائم داخلية، ويعتبر التنافس بين مصر والدوحة بشأن تولي مسؤولية التفاوض بين حركات دارفور والحكومة السودانية أحد الأسباب التي دفعت القاهرة للتعامل مع الحركات خصمًا على المفاوضات، وبإزاحة نظام مبارك من سدة الحكم اختلفت الأوضاع، إذ ما لبثت السلطات المصرية التي يحكمها المجلس الأعلى العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي أن طالبت جميع حركات دارفور بمغادرة الأراضي المصرية وإخلاء الشقق والمقرات التي تشغلها تلك الحركات التي تشمل العدل أيضًا، أما النكبة الثالثة للأخيرة فهي تداعي أركان حكم القذافي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الزوال، لذا فإن التصريحات التي أدلى بها الناطق الرسمي للخارجية خالد موسى والتي أشار فيها إلى أنه قد ثبت للحكومة بأن الحركات المسلحة الدارفورية تمثل جزءًا من المجموعات المرتزقة التي تهاجم الثوار اللبيين، تشير إلى أنه ليس من المستبعد أن تكون قوات العدل من ضمن تلك المجموعات، حرصًا على مصالحها مع نظام القذافي، إذن ما هي الوجهة التي ستقصدها الحركة ونظيراتها عقب انهيار الأنظمة «مصر وليبيا» التي تشكل أهم خطوط الامداد العسكري والسياسي لها، تشير أماني بشير محمد أمين الشؤون الاجتماعية لحركة العدل في مكاتب إفريقيا سابقًا إلى أنه حتى الآن لم تظهر ملامح الخارطة الجديدة التي سترتكز عليها العدل، إلا أنها قدرت أن أفضل الخيارات المتاحة أمام الأخيرة أن تلجأ لدولة إريتريا، استنادًا إلى مركزها السياسي حاليًا، وخلفية الدعم العسكري السابق الذي تلقته من إريتريا إبان وجود جبهة الشرق في إريتريا قبل توقيعها اتفاق سلام الشرق مع الحكومة، كما أن خيار الجنوب يبقى واردًا بحسب أماني في حديثها ل «الإنتباهة» باعتبار أن الجنوب قد يستخدم وجود الحركة في أراضيه كورقة ضغط في تفاوضه مع الشمال حول القضايا العالقة.. وبالنظر لمؤشرات الأحداث تبدو الفرضية الأخيرة في حيز المعقول، لا سيما وأن الحركة الشعبية لم تفِ بوعدها الذي قطعته إبان زيارة رئيس الجمهورية للإقليم قبل بضعة أيام من إجراء الاستفتاء القاضي بطرد الحركات من الجنوب، ولا تزال تصريحات قيادات المؤتمر الوطني تترى مطالبة الحركة بإنجاز وعدها، أما الخيار الإريتري فبالرغم من كونه محتمل نظرًا للماضي الإريتري القريب في دعم المعارضة السودانية سواء على مستوى أحزاب التجمع الديمقراطي أو الحركات المسلحة في الشرق ودارفور، إلا أن تحسن العلاقات السودانية الإريترية في الأعوام الأربعة الأخيرة قد يقلّل من تلك الفرضية، فأول زيارة سجلها الرئيس عمر البشير لدولة خارجية عقب صدور مذكرة توقيفه من الجنائية الدولية في «4» مارس 2009 كانت لإريتريا في الأسبوع الأخير من الشهر نفسه، كما أن آخر زيارة خارجية للبشير في «17» من الشهر الجاري كانت للبلد نفسه، فضلاً عن الروابط المتميزة لإريتريا مع الولاياتالشرقية للسودان لا سيما البحر الأحمر التي زارها الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في نوفمبر 2009 للمشاركة في احتفال الولاية بمهرجان السياحة والتسوق الثالث، المؤشرات الإيجابية السابقة تشير إلى أن النظام الإريتري الذي لم يتورع عن مساندة المعارضة السودانية المسلحة في الفترات الماضية يبدو الآن حريصًا على تنقية العلاقات مما شابها في السابق، ولكن رغم ذلك تبقى إريتريا حسب مراقبين فضاءً مفتوحًا لكل الاحتمالات. ولما كانت الأنباء قد رشحت أول من أمس حسبما أورد «اس. ام. سي» أن القيادي بالعدل والمساواة د. الطاهر الفكي قد عاد من زيارة لعاصمة جنوب إفريقيا جوهانسبيرج بواسطة بعض المؤسسات لبحث سبل الدعم الإفريقي للحركة، أوضحت أماني أن مثل هذه العلاقات غير مؤثرة للعدل نظرًا للبعد الجغرافي بين البلدين، إذن ماذا عن منظومة دول الجوار الأخرى؟ تجيب أماني بأن للعدل محاولات سابقة مع دولتي النيجر والجابون، حيث استضاف رئيس الأخيرة «عمر بنقو» خليل عام 2005، إلا أن هذه العلاقات لم تكن ذا بال للحركة؛ لأن الطابع العام لتلك الدول يدور في فلك العلمانية والإسلام الصوفي ولا صلة له بالإسلام الأصولي منهج العدل، إذن تبقى ضآلة وضيق الفرص المتاحة أمام حركة العدل والمساواة إما أن تدفعها لتمضي قدمًا في مفاوضات الدوحة أو أن تيمِّم وجهها تلقاء الجنوب، وربما تفترع طريقًا آخر من يدري، على كلٍ الأيام القادمة كفيلة بإجلاء الغموض الراهن بشأن المسار الذي ستتخذه العدل والمساواة. نقلاً عن صحيفة الانتباهة 28/2/2011م