لا شك أن الكثيرين تابعوا ما يمكن تسميتها ب (فضيحة حزب الأمة القومي مع نظام العقيد القذافي). فقد أرسلت قيادة حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي برقية دعم وتضامن للقيادة الليبية في مواجهة الاحتجاجات الشعبة الجارية هناك ضد نظام القذافي – وليت حزب الأمة الكثير الادعاء بالصدق والمبدئية أقر واعترف بإرساله للبرقية فقد كان من الممكن أن نحترمه ونقد موقفه السياسي هذا، ولكن قيادة الحزب أنكرت الأمر وتنصلت منه، ولسوء الحظ فان مكتب عائلة العقيد القذافي الذي تديره كريمته عائشة القذافي أكد الواقعة وأشار إلى العلاقات الجيدة لقيادة حزب الأمة وتحديداً الدكتورة مريم الصادق بأجهزة المخابرات الليبية! كانت هذه الحادثة أكثر مما تحتمله الأمور، فهناك حزب سوداني كثير التشدق بالديمقراطية، شديد ألتوق إلى التظاهر وإسقاط النظام، ولكنه في الوقت نفسه يقف (بقوة) مع نظام (غير ديمقراطي) في مواجهة متظاهرين!! الموقف هنا اذا قصرناه فقط على دعم نظام في مواجهة متظاهرين تظاهراً سلمياً فهو في الواقع ما أهال التراب تماماً على مصداقية الحزب، مرتين مرة حين أرسل البرقية رافضاً للتظاهر في طرابلس في حين انه يطالب بالتظاهر هنا في الخرطوم، ومرة حين أنكر البرقية ولم يجد به الإنكار لأن الجهة المرسلة إليها البرقية أكدتها . هذا فيما يخص حزب الأمة، أما فيما يخص بقية القوى السياسية فان أحداً منها – حتى الآن لم يفتح الله عليه بكلمة للتعبير عن موقفه مما يجري في ليبيا والحكومة السودانية رغم أنها ترتبط بعلاقات جيدة مع نظام القذافي إلا أنها أعربت عن موقفها مما يجري وأصدرت الخارجية السودانية موقفاً متوازناً جيداً حيال الأمر. بالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي فانه آخر الصمت البليغ!! الآن الحزب كما هو معروف مرتبط بحركة الدكتور خليل إبراهيم، والدكتور خليل مرتبط بنظام القذافي (ملاذاً ومأوي ودعم لوجستي)، والدكتور خليل يقيم في طرابلس ويواجه خطراً الآن بعدما شاع أنه شارك في العمليات الموجهة ضد المحتجين، لهذا فان الشعبي وجد صعوبة في (قول أي شيء) في ظل ظروف كهذه مما يتناقض تماماً مع أطروحاته التي ملأ بها الساحة السودانية حول التظاهرات والاحتجاجات والتحول الديمقراطي. وهكذا يمكن القول أن القوى السودانية المعارضة (امتلأ فمها بالماء) وهي تواجه امتحان (عمل ديمقراطي) صعب انكشفت على أثره المبدئية السياسية لهذه القوى، فهي تحتج الآن ضد نظام ديمقراطي منتخب حديثاً، وفي الوقت نفسه تعجز في التعاطي مع احتجاجات سلمية ديمقراطية في بلد معروف إذا كان ديمقراطياً أم غير ديمقراطياً!!