لم تجدِ كل المحاولات التى يبذلها حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي فى نفي إرساله لبرقية تضامن الى أسرة العقيد القذافي داعمين له فى مواجهة المحتجين ضد نظام حكمه. فقد جاء الدليل والحجة القاطعة من المُرسَل إليه ممثلاً ذلك فى مكتب كريمة العقيد الليبي عائشة القذافي . وبالطبع حين يقر المرسلة إليه البرقية – صراحة – بوصول البرقية إليه، فان من العبث بمكان فهم الإنكار المطلق الذى يتمسك به الطرف المرسل . ثالثة الأثافي كما يقولون فى قصة البرقية ان مكتب أسرة القذافي اوضح استلام برقيتين إحداهما من زعيم الحزب السيد الصادق المهدي ، والثانية من إبنته القيادية الدكتورة مريم الصادق؛ وليت الرد – الذى نشرته الصحف – اقتصر على ذلك ، ولكن الرد امتد ليشمل القول (ان القيادية مريم الصادق لها ارتباط و تنسيق دائم مع السيدة كريمة القذافي)! و ما من شك حين يشير جهاز مخابرات فى أى بلد –صراحة – الى وجود (إرتباط و تنسيق) مع شخصية قيادية فى حزب فى بلد آخر ، فان تفسير ذلك أمر يشيب له الولدان! ومن المؤكد ان لأسرة المهدي - بصرف النظر عن الأسباب- لديها صلات قوية بأسرة القذافي و هو أمر معروف ربما منذ عملية يوليو 1976 الشهيرة، و ما قبلها و ما بعدها ، هذا أمر معترف به، وموثق لدي أجهزة حزب الأمة، غير أن ما يهمّنا فى هذا المنحي هو السؤال البديهي التالي: لماذا حرصت قيادية حزب الأمة على نفي واقعة البرقية والدعم هذه ؟ و لماذا اضطر مكتب نجلة القذافي لتأكيدها؟ من المرجح ان قيادة حزب الأمة اعتقدت ان ما جري هناك فى الجماهيرية لن يقود الى ما قاد إليه ، ومن ثم و(لحاجة حزب الأمة) لنظام القذافي فلا بد من دعمه سياسياً بالبرقية المرسلة. بمعني أوضح ، فان قيادة حزب الأمة (تسدد فاتورة سياسية) واجبة السداد كونها تعتمد بشكل من الأشكال على نظام القذافي ، أو أنها تستعد – لاحقاً – للإعتماد عليه ، ففي الحالتين لابد لها من من دفع ثمن ذلك . من ناحية ثانية ، فان قيادة الحزب ربما لم تجر تشاوراً مع بقية قادة الحزب وتصرفت على نحو (عائلي) كعادة الحزب الذى بات حزباً أسرياً محصوراً على نحو واضح فى أسرة المهدي . و أخيراً- و هذه هى جوهر أزمة حزب الأمة- فان التناقض بدا جلياً بشأن حديث قيادة الحزب عن الديمقراطية والمطالبة بها ، بالتظاهر و إسقاط الأنظمة و في ذات الوقت دعم أنظمة أخري رغم الفارق الشاسع ما بين نظام القذافي المنعدمة فيه الديمقراطية ، والنظام القائم الآن فى السودان المنتخب حديثاً و حزب الأمة واحد من الأحزاب التى شاركت فيه بفاعلية. لقد وقع حزب الأمة فى ورطة سياسية اغلب الظن أنها قضت على نشاطه الحالي بشأن التظاهر لإسقاط الحكومة السودانية .