مما لاشك فيه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة عظمى بل هي الدولة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم بعد تمكنها من هزيمة الإتحاد السوفيتي في الحرب الباردة والتي إمتدت لما يقارب الستة عقود من الزمان. ويجب علينا أن نعرف بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد خاضت غمار تلك الحرب بناءا على إستراتيجية متكاملة سياسية وإقتصادية نظر لها ووضع ملامحها عالم في العلاقات الدولية هو كارل كانن, وهذا النوع من التخطيط الإستراتيجي يتميز بوضع سياسة عامة تتنزل لسياسات عسكرية وإقتصادية وسياسية على مدى زمني طويل, والغريب في الأمر أن كانن تنبأ بالوقت الذي سوف تتفوق فيه الولاياتالمتحدة على الإتحاد السوفيتي وهو نهاية العقد الثامن من القرن الماضي ولا نجد أنه جانب الصواب كثيرا في ذلك. كان هذا المدخل مهما لتلمس سياسات الولاياتالمتحدة تجاه السودان والذي لا ينبني على سياسات أحادية تجاه كل بلد على حده. إذا ماهي السياسة الكبرى أو العامة للولايات المتحدة في العالم؟ قد يسارع البعض في الإجابة على هذا السؤال للإشارة إلى العولمة كإستراتيجية جديدة وقد يبدو للوهلة الأولى أن الإجابة مشروعة ومنطقية رغم الغموض الذى يكتنف مراكز صنع القرار الأمريكي في تبني هذه الإستراتيجية. وهنا لابد من الإشارة إلى أن العولمة مبنية على شواهد تؤكد على نظرية صدام الحضارات لصمؤيل هنتجتون الأمر الذي لا يجد له صدى لدى كثير من دول العالم فالجميع يتحدث عن حوار الحضارات وليس صدامها ولعل هذا في تقديري ما يفسر وجود الولاياتالمتحدة في أفغانستان والعراق كرأس جسر بالمصلح العسكري للزحف على طول الهلال الإسلامي الممتد بين آسيا وأفريقيا, هذا من ناحية اما من الناحية الثانية فتجد أن العولمة مصحوبة بكثير من الدعوات للتحرر الليبراالي بمعناه المجرد الشىء الذي ترفضه كثير من المجتمعات المحافظة أو التقليدية بصورة غريزية فطرية, وليس بخاف على العالمين ببواطن الأمور والدارسين لها أن هذه العولمة مختطفة تسعى لتحقيق مآرب جماعات معينة دون غيرها. إلا أن أخطر ما في ملامح هذه العولمة هي الدعوة من طرف خفي لتفتيت كيانات الدول السياسية على أساس إثني وإعادة إدماج هذه الدويلات الإثنية في النظام الدولي, نحن الدارسين للعلاقات الدولية نكاد نلمس ذلك كنمط سلوكي دولي قياسا على تجربة يوغسلافيا السابقة والدعوات التي تنطلق من هنا وهناك لتقسيم العراق والسودان, وحقيقة الأمر النظري أن العلاقات الدولية بعد عهد الإمبراطوريات توافقت الشعوب على مبدأ الدولة القومية كوحدة أساس للنظام الدولي وهي مايعرف بوجود إقليم وسكان وحكومة وتم على هذا الأساس بناء النظام الدولي المتعارف عليه بإتفاقياته الدولية بما في ذلك تكوين منظمة الأممالمتحدة, ولعل هذا التفكير يبرر الوضع السياسي القائم حاليا في السودان. إذن عودا على بدء يجب تذكير الإدارة الأمريكية الحالية بالنهج الذي إختطته الإدارة الديمقراطية السابقة برئاسة بيل كلينتون بالدعوة إلى تبني نظم حكم ليبرالية سياسية وإقتصادية بعيدا عن العمل لإعادة صياغة المجتمعات وتشكيلها, والأمر الثاني هو السعي لتحقيق تكتلات إقليمية قارية قي كل قارة على حده وكل إقليم مع وجود دولة محورية لقيادة هذا التكتل. ولعمري هذه دعوة لعولمة رشيدة او مرشدة لا يجد الكثيرون في العالم مضاضة من تبنيها, إذا أخذنا في الحسبان تشابك مصالح العالم وتواصل الإعتماد المتبادل و الإستفادة من الإرث الإنساني في المجالات العلمية والإقتصادية. وهنا يمكن أن يلعب السودان دورا مهما ورائدا في هذا المنحى حيث ستصبح الوحدة جاذبة عن حق وحقيقة وستتلاشى الدعوات الجهوية فالسودان لن يستطيع لعب هذا الدور إلا بكونه واحدا موحدا, نعم سنواجه بشراسة من دول الجوار الإقليمي الطامحة للعب هذا الدور إلا أن قدرات السودان الموحد وموارده ليست محل شك للجميع ليثبت أنه الدولة المحورية في الأقليم ويتبقى عليه أن ينظم بيته بحل المشكلات السياسية التي قعدت به ردحا من الزمن وحالت دون إنطلاقه للتنمية وهذا يتطلب إرادة سياسية من الجميع شرقا وغربا وجنوبا تنظر للمستقبل البعيد الذي أساسه تحقيق الإستقرار والرفاهية لهذا الشعب الصامد والصابر ويجب أن نثيت هذا للعالم الخارجي حكومة ومعارضة وفصائل سياسية شتى من أجل مستقبل السودان والإنسان السوداني. يجب أن نعكس للإدارة الأمريكية الحالية أننا في السودان أمام عولمتين إحداهما تفضي إلى التقسيم والتشرذم، أما الأخرى فتؤدي إلى القوة والإزدهار ولها أن تساعد السودان في أي من الاتجاهين ودعونا نتفاءل بالإختيار الثاني. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 21/12/2009م