تعرف السياسة الخارجية Foreign Policy بأنها احدى الركائز الهامة للسياسة العامة لأية دولة ، فالسياسة الخارجية هي انعكاس بديهي للسياسة الداخلية على الصعد الاقتصادية، العسكرية والآيديولوجية للدولة . تختص السياسة الخارجية للدولة برسم وتوضيح خطط وسياسات الدولة الخارجية مع تحديد الاهداف التي تصبو اليها الدولة لتحقيقها وفق مصالحها القومية على اساس ما يربطها بالعالم الخارجي من علائق على الابعاد الاقليمية والدولية، وتندرج هذه العلائق من حيث الاهمية للاهداف العامة والمنفعة القومية للدولة. تتولى المؤسسات الدستورية في أية دولة وضع سياستها الخارجية من السياسة العامة للدولة وغالبا ما تكون هذه المؤسسات على قمة الهرم الحكومي والاجهزة التشريعية والتنفيذية التي تحددها قوانين الدولة . يقع تنفيذ السياسة الخارجية للدولة في المقام الاول على عاتق وزارة الخارجية خلال قواعد القوانين الدولية والاعراف الدبلوماسية. فالمسئولية المباشرة للعلاقات الخارجية من حيث التنفيذ عادة ما تقع على عاتق رأس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية . تختلف اجندة ومداخل السياسة الخارجية لكل بلد باختلاف سياسته واولوياته من حيث ?فوذه الاقليمي والدولي فدولة كالصين مثلا تضع العامل الاقتصادي على رأس قائمة اولوياتها في سياستها الخارجية ودولة كاسرائيل تبني سياستها الخارجية على اساس صراعها مع العالم العربي . اما الولاياتالمتحدة فتختلف في رسم سياستها الخارجية باختلاف الدولة المستهدفة من حيث الاهمية والمنفعة الا ان العامل السياسي في الغالب هو المتصدر للابعاد الامريكية في رسمها لسياستها الخارجية وتختلف اجندتها السياسية كما الدول الاخرى باختلاف الازمان فاجندة فترة الحرب الباردة تختلف عن اجندة فترة ما بعد انهيار المعسكر الشرقي كمنظومة سياسية حيث اصبحت الولاياتالمتحدة اللاعب الاساسي في رسم السياسة الدولية بابعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. تدير الولاياتالمتحدة سياستها الخارجية كأية دولة اخرى بما يتوافق و?صالحها القومية فالسياسة الخارجية تعني في الاساس تحقيق هذه المصالح فمصالح الولاياتالمتحدة بعد نهاية الحرب الباردة واحداث 11 سبتمبر 2001م ترمي لتحقيق مصالحها ببرغماتية بعيدا عن المثالية والرومانسية السياسية . السياسة الامريكية تجاه القاره الافريقية تختلف عن رصيفاتها تجاه الصين او روسيا فلهاتين الدولتين اهمية قصوى في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وذلك لاهمية الصين وروسيا الاقتصادية، والسياسية العسكرية حيث ان هناك سياسة امريكيه واضحة تجاه كل من هاتين البلدين لاهميتهما لامريكا والعالم ككل ، اما تجاه افريقيا حيث يصعب رؤية ملامح سياسة امريكيه تجاه دول هذه القاره . عرفت السياسة الامريكية تجاه اقطار افريقيا بانها تداخليه interventionحلت حادثة او ازمة سياسية او صراع في احد دول القاره ففي مثل هذه الحالة يتضح?لنا التدخل الامريكي أي ان السياسة الخارجية تجاه افريقيا بما فيها السودان هي سياسة ردود افعال reaction يوضح بيتر اشناسيدر كيف تتحول الاحداث من روتينيه لازمة سياسية تؤثرعلى صانعي القرارpolicymakers في تعاملهم مع الاحداث وتطوراتها بما يملي عليهم تغييراً في الاولويات والمفاهيم في سياستهم تجاه احدى الدول الافريقية فعندما تتأثر افريقيا بازمة فان هذا التاثير يتمدد وفق اهميته ليشمل الرئيس الامريكي ودائرة مستشاريه مما ينتج عنه اهتمام بالازمة او الحدث من اجل خلق سياسة متحكمة في الوضع الماثل امامهم. فالسياسة الخار?ية لامريكا تجاه افريقيا تتأثر بجماعات ضغط وقطاعات الرأي العام الداخلي كمنظمات حقوق الانسان والشركات الاستثمارية ووسائل الاعلام المختلفة والامريكيين من ذوي الاصول الافريقية . صحب نهاية الحرب الباردة في 1989م تغير كبير في المفردات terminologies والاجندة مقارنة بفترة ما بعد 1945م فقد حدث تطور في نظريات السياسة الدولية والعلوم الاجتماعية ذات الصله بالحرب البارده . يتضح ذلك من خلال مفاهيم الامن الجماعي collective national security وسيادة الدولة sovereignty والسوق الحر ولاعبي السياسة غير الحكوميين non-state actors فكل هذه المفاهيم اصبحت محل دراسة وبحث اكاديمي وسياسي كثيف . هذا التغير الكبير من العلاقات الدولية صاحبة تغيير في نوعية القضايا في توزيع جديد بسلم موسيقي واحد لقضايا قد?مة متجددة . يرى علماء العلاقات الدوليه ان قضايا الارهاب حقوق الانسان الابادة الجماعية ، الفقر ، الهجرة ، الجندر، الامراض والكوارث الطبيعية كل هذه القضايا اصبحت من اهم القضايا التي تواجه السياسيين فقضايا كالتسليح واعداد الجيوش اصبحت اقل اهمية فى فترة ما بعد نهاية الحرب الباردة لان مجموعاتٍ صغيرة او افراداً قليلين يمكنهم تشكيل مخاوف وقلاقل امنيه للحكومات ومواطنيها لان لاعبين جدد قد ظهروا في خلق الخوف والمهددات الامنية للحكومات والمواطنين . هذا التطور استوجب تغييراً في المفاهيم فعلى سبيل المثال مفهوم الامن القومي امتد ?يشمل بعثات الدول ومصالحها خارج حدودها الجغرافية لاميال بعيدة. فالولاياتالمتحدة عندما ضربت سفارتيها من كل من نيروبي ودار السلام وعندما اجتاح صدام حسين الكويت عام 1991م تدخلت سريعا من اجل حماية رعاياها في الحادثة الاولى ومصالحها الاقتصادية (النفط) في الحادثة الثانية . لقد اعطى انهيار الاتحاد السوفيتي الولاياتالمتحدة الفرصة لتضع اجندتها السياسية على العالم مشكله ما يسمى بعصر العولمة عن طريق التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة فاصبح صانع القرار والمواطن العادي يتلقيان الاخبار من مصادر متشابهة في أي مكان في العالم مما قوى من اتصال الشعوب ببعضها البعض وباختلاف اقاليمها الجغرافية وثقافاتها. عرفت فترة الحرب الباردة بانها فترة استقطاب حاد بين المعسكرين الشرقي والغربي عن طريق العمل الاستخباراتي ودعم الترسانات الحربية مثل هذه السياسات بلغت بالسياسة وصانعي القرار ذروتها في الربط بين الاحداث و الاستهداف الخارجي فيما عرف بنظرية المؤامرة التي انعكست في قراءات رجال الدولة والباحثين ، انتقلت هذه الحالة ( نظرية المؤامرة ) الى دول العالم الثالث من اجل توسيع السلطات وفرض القوانين الاستثنائية التي تمكن حكومات هذه البلاد من البقاء في السلطة لاطول فترة ممكنه وكيفما اتفق وذلك على حساب حقوق شعوبهم وتجهيلهم بالاستهداف الخارجي لان شعوب هذه البلدان شديدو الحساسية تجاه كل ما هو خارجي وخصوصا كل ما هو غربي منذ فترة الاستعمار لان زعماء هذه البلدان في فترة الاستعمار استخدموا عوامل الاستعداء ضد المستعمر من دين وثقافة قبلية وعصبية من اجل نيل استقلالهم هذا النهج بالاضافة لسي?سات فرق تسد وسياسات الحرب الباردة زادت من حساسية هذه الشعوب من العالم الخارجي . تستخدم حكومات الانظمة الشموليه وسائل الاعلام في التأثير على مواطنيهم مما يساعد هذه الحكومات على تجهيل شعوبها مستفيدة من ارتفاع نسبة الامية وعدم ممارسة هذه الشعوب لحقوقها السياسية والثقافية. هنالك فئه اخرى من الحكام وفي افريقيا على وجه التحديد تستعدي العالم الخارجى بدواعي الاستهداف الخارجي الذي لايريد لهم الخير مثل هؤلاء القادة المتمترسين خلف قضبان الحرب الباردة يجب ان يعوا ان الدولة لم تعد هي الفاعل الاوحد وان مفهوم سيادة الدو?ة القومية قد تغير وان العالم قد اصبح متصلاً مع بعضه البعض فاي حدث في أي مكان في العالم يتاثر به العالم ككل، وان الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية من مختلف المجالات اصبحت هي المحرك الاساسي للسياسات الدولية والوطنية على حد سواء مما قلل من سمك الجدار العازل ما بين ما هو دولي وما هو وطني، فقد تداخلت القوانين والقضايا وانعكاساتها فاصبحت ايقاعات الاحداث السياسية والاقتصادية والثقافية عابره للقارات شاءت الحكومات الوطنية ام لم تشاء. علاقة الولاياتالمتحدة مع اكبر بلدان القارة الافريقية (سابقا) السودان الذي شهد اطول حروب القارة الاهليه والاكثرها دموية نتيجة لعدم الاستقراء السياسي والسياسات غير الحكيمه وذلك منذ فترة الاستقلال مما انعكس على المسرح السياسي السوداني من حيث المأساويه فالولاياتالمتحدة في رسم سياستها تجاه السودان تنقسم الى عدة محاور، من اهم هذه المحاور هو محور التدخل الامريكي الداعم لتوقيع اتفاقية السلام الشامل فتدخل الولاياتالمتحدة بصورة ضاغطة على طرفي الصراع (الحكومة السودانية والحركة الشعبية) بعد احداث سبتمبر كانت ا?عامل الاساسي لتوقيع هذه الاتفاقية التي ضاعفت من ضغوط الادارة الامريكية آنذاك مدفوعه من اليمين المسيحي والامريكيين من اصول افريقية وشركات البترول للتدخل من اجل وضع حد للاوضاع في السودان . تزامنت هذه مع وقوع احداث 11 سبتمبر التي احدثت تحولاً في سياسات الادارة الامريكية تجاه السودان حيث يرى بعض الكتاب ان هنالك تحول يحدث في السياسة الخارجية الامريكية بحدوث تغيير في الادارة الامريكية من حزب لآخر . مما يعني تغير في تفاصيل السياسات الصغرى دون المساس بالسياسات الكبرى لان الولاياتالمتحدة دولة مؤسسات لا تسمح بمثل?هذه التحولات الكبرى الا بموافقة الجهات الدستورية وبدون دراسة دقيقة . وفقا لذلك اتخذ الحزب الجمهوري بعد احداث سبتمر اجراءات من شأنها الضغط على الخرطوم لوقف الحرب في الجنوب لان السودان يحتل موقعاً جيولوجي وغني بموارده الطبيعية ومحددة مع تسعه اقطار افريقية حيث لعبت هذه العوامل دوراً رئيسياً في تشكيل الاحداث السياسية وتطوراتها في السودان وتداخل وتقاطع هذه السياسات مع دول جواره بالاضافة لخيارات الصفوة الامريكية السياسية سواء ان كانت دينيه او ثقافية. لهذه العوامل تأخذ السياسة الامريكية تجاه السودان اهمية كبرى?مقارنة بالدول الافريقية الاخرى كرواندا اثناء فترة الابادة الجماعية في منتصف التسعينيات وذلك لان السودان ذو علاقة وان كانت غير مباشرة بالمصالح الامريكية الامنية والاستراتيجية في المنطقة . واتسمت السياسة الامريكية تجاه السودان ابان عهد بل كلينتون بالنقد لحكومة السودان الاسلامية وانتهاكات حقوق الانسان والحريات العامة بالاضافة للبعد الديني ( الجهاد ) الذي صاحب الحرب الاهلية في جنوب السودان ولتصادم مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة نتيجة لهذه السمات خاصة الاسلام السياسي ودعمها للجماعات الاسلامية المتشدده في الشرق الاوسط هذه السياسات لم تحرك ادارة الرئيس كلينتون التحرك الكافي فتعامله مع حكومة الخرطوم كان مرنا حيث اكتفى بانتقاد الحكومة السودانية لانتهاكها لحقوق الانسان والمساعدات الانسانية?لضحايا الحرب في الجنوب وبعض المحاولات الدبلوماسية لانهاء الحرب في الجنوب . اختلفت سياسة خلفه جورج بوش الابن والتي اعطتها احداث 11 سبتمبر بعداً آخر متمثلا في التحول الكبير من السياسة الامريكية تجاه الدول ذات الاجنده المتشددة والراعية للارهاب بما فيها السودان فالاجندة الامنية بعد هذه الاحداث وتحديدا مكافحة الارهاب وجدية الادارة الامريكية في وضع حد للحرب الاهليه في جنوب السودان والاكتشافات النفطيه هذه العوامل اجبرت الادارة الامريكية للتدخل بقوة في الشأن السوداني وبشكل واضح عن طريق دعمها لمبادرة الايقاد وضغطه? على طرفي الصراع لتقديم تنازلات وتقريب وجهات النظر مما اسفر عن توقيع اتفاقية السلام الشاملة في نيروبي وتحت رعاية دولية وافريقية. الدور الأمريكي الداعم لعملية السلام في جنوب السودان يقول د.منصور خالد فى كتابه الحرب والسلام فى السودان ان التدخل الامريكي في عملية السلام بجنوب السودان يرجع الى دور الكونجرس الامريكي ، الادارة الامريكية ووكالات الاغاثة الداعمه لضحايا هذه الحرب بالغذاء والعلاج والمأوى، فالولاياتالمتحدة حثت طرفي النزاع لانهاء الحرب مستندة لاتفاقيات كوكا دام واديس ابابا ذلك بعد سقوط حكومة الصادق المهدي منذ عام 1989م فنظام الحكم آنذاك تجاهل هذه الاتفاقيات السابقة والجهود المبذولة لاحلال السلام والمقبولة عند معظم الاطراف . التدخل الامريكي رسم على اساس أن الولاياتالمتحدة هي ا?ممول الاساسي للاغاثة في جنوب السودان من خلال الاممالمتحدة عملية شريان الحياه فطرفا النزاع قد وافقا على الوساطة الامريكية . ففي العام 1990م عينت الحكومة الامريكية Harmen Cohen كوسيط في الصراع بطلب من الحكومة السودانية للتدخل لانهاء الحرب نتيجة لذلك رسم Cohen خطته للوساطة على اسس وقف اطلاق النار ومؤتمر دستوري يشمل كافة الاطراف والقوى السياسية السودانية من اجل استعادة نظام ديمقراطي . رفضت الحكومة السودانية هذه الخطة لانها كانت تؤمن بانهاء الحرب لصالحها عسكرياً . فخلال فترة حرب الخليج الثانية في عام 1991م انتهجت الادارة الامريكية سياسة الاحتواء مع حكومة الخرطوم لان الادارة الامريكية في عام 1991م كانت قلقة بشأن ضحايا الحرب وتحديدا الوضع الانساني ، اما فترة ما بعد 11 سبتمبر فقد شهدت الدور الامريكي القوي الذي افضى لتوقيع اتفاقية للسلام الشامل . [email protected]