أشد ما يجب أن يحترس منه كاتب يحترم نفسه، ألا تنزلق قدمه أبداً إلى تبرير الظلم والاضطهاد وحجر حرية الرأي والتعبير لأي فرد أو جماعة. فالحرية هواء نستنشقه جميعاً. فإذا أغلقنا نوافذه على الآخرين أغلقناها على أنفسنا. ولكن الجريمة قد ترتكب باسم حرية الرأي، والخيانة قد تمارس بحجة حرية التعبير. وليست هناك حرية مطلقة إذا تعدت على حرية الآخرين. وأؤمن بأن هذه الحدود يجب أن يحكمها قانون عادل ودستور ديمقراطي ينبع من إرادة الشعب. وهذا الذي صدر في 19-20/3/2011م عن بعض سياسيين شماليين من قادة الحركة الشعبية وباسمها وتحت مظلتها ونفوذها، يخرج عن كل مفهوم للحرية. فهو يعطي صلاحيات لموالين لحركة أجنبية لدولة الجنوب الجديدة للتخطيط لعمل سياسي واسع في الشمال. كما لو كانت قوة احتلال استباحت لنفسها العمل بحرية في أرض ليست لها، كما لو كانت خلاءً لا رجال فيه أو حكومة أو شعباً. ولست أدري بأية سلطة وبأي حق وبأي تاريخ وتراث وحضارة وعلم استباحت الحركة الشعبية الجنوبية لنفسها، فرض وصاية على السودان إلا أن يكون لها وثيقة ملكية في البيت الأبيض أو البنتاجون أو تل أبيب، لا ندري عنها شيئاً. فرمان الحركة الشعبية الذي أصدرته عن طريق بعض أتباعها وعملائها الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من جسمها وكيانها، يحدث عن موافقتها على خارطة طريق لنشاطها، ليس في الجنوب الذي يحتاج لكل ثانية من وقتها وكل ذرة من جهدها بل في الشمال السوداني. ولا تكتفي بذلك بل تعلن عن انفتاحها على كافة المجموعات (وتعني بذلك المجموعات الجهوية والقبلية من غير ذوي الأصول العربية) التي تؤمن برؤية السودان الجديد (والذي يعني أفرقة السودان) وقوى الهامش. كما يشدد الفرمان على ضرورة وضع الترتيبات لوضع دستور جديد لإعادة هيكلة مركز السلطة في شمال السودان. تصوروا الحركة الشعبية تريد عن طريق أذنابها إعادة هيكلة مركز السلطة وإشعال ثورة لتغيير السودان الشمالي. ولا تستحي أن تشير في فرمانها إلى وسائل تنفيذ مخططاتها: عن طريق دارفور وأبيي ومنطقتي المشورة الشعبية وعن طريق تحريك المهمشين من الفقراء والنساء. أية حرية هذه التي تبيح لنفر متنكر لأهله أن يتبنى مخططات دولة أجنبية تسعى لإثارة الفتنة بين أهله ومواطنيه؟ لا نجيب عن ذلك حتى لا تنطلق علينا ألسنة الغرب. دعنا فقط نطبق قوانينهم بحذافيرها: عندهم جميعاً الخيانة العظمى والتخابر مع دولة أخرى وإثارة الكراهية والفتنة وعند بعضهم جريمة التحريض على الانفصال. ترى ماذا كانت بريطانيا أو فرنسا تفعل لو أن نفراً من مواطنيها الحاقدين على سياسات حكومتها تجمعوا واستعانوا بدولة أجنبية للقيام بالقليل مما يخطط له هؤلاء القوم؟ أم أن بلدنا هو الوحيد المستباحة أرضه ودمه وسيادته؟ نقلا عن صحيفة الراي العام بتاريخ :24/3/2011م