يعتقد كثير من المراقبين أن قضية دارفور تكتب فصولها الأخيرة الآن ، وذلك لتطاول أمد الحرب ، وإصابة مجتمع دارفور الداخلي بالسأم والملل من استمرار الحرب على أراضيه ، والوصول إلى نقاط تلاقي بين الفرقاء حول أكثر من 90% من نقاط الخلاف كما جاء في تصريحات الوسيط ، وللأوضاع غير المستقرة في الجارة ليبيا التي قد تؤثر سلباً على مواقف بعض الحركات المسلحة ، ولتحول بؤرة اهتمام المجتمع الدولي وبخاصة الغربي من قضايا السودان الساخنة إلى قضايا أكثر سخونة في مصر وليبيا واليمن والبحرين . وللكسب السياسي الذي حققته حكومة السودان واستثمارها لإجراء الاستفتاء في جنوب السودان في وقته وقبولها بالانفصال ، الموقف الذي فاجأ المحللين السياسيين في المجتمع الأوربي ، وإبرام اتفاق تنسيقي بين حركتي العدل والمساواة والتحرير والعدالة بمنبر الدوحة مؤخراً . كل هذه لربما تكون مؤشرات كافية للتفاؤل بقرب الوصول إلى نهاية لمشكلة الحرب والعنف في دارفور . إلا أن مطلب الإقليم كمستوي سلطة ، الذي يطالب به بعض النخب السياسية في دارفور ، والحركات المسلحة في مفاوضات الدوحة أصبح عائقاً دون التوصل إلى اتفاق سياسي ينزع فتيل الأزمة ينهي معاناة شعب دارفور التي دخلت عامها الثامن. لقد نوقش موضوع الإقليم في جولات أبوجا المتكررة ، كما أتاح ملتقي أهل السودان بكنانة فرصة سانحة لإجراء مناظرة بين جدوى الإقليم كمستوى سلطة ، أو الإبقاء على الهيكل الإداري الحالي مع التوصية بزيادة عدد الولايات . وانتهي الأمر في الحالتين أي اتفاقية أبوجا وملتقي كنانة إلى إرجاع الأمر إلى شعب دارفور الذي باسمه تدار الحروب ، ليقول كلمته عبر استفتاء عام حتى لا يصادر رأي الأغلبية الصامتة بواسطة المجموعات التي حملت السلاح أو غيرها ، علماً بأن التوصية بولاية وسط دارفور كانت من أبرز مطالب أهل دارفور في مؤتمر الأمن الشامل بنيالا في ديسمبر 1997م . وأن ولاية شرق دارفور هي الأخرى قد فرضتها نتائج الإحصاء السكاني الأخير حيث جاءت ولاية جنوب دارفور في المرتبة الثانية بعد الخرطوم من حيث عدد السكان . ولكن علي الرغم من معقولية مبدأ الاستفتاء للاحتكام إلى رأي شعب دارفور ، يصر بعض قيادات دارفور على فكرة الإقليم لاعتقادهم الجازم بأن الإقليم هو الأفيد والأنسب لتحقيق مكاسب أهل دارفور . أي أن نصيبهم من السلطة والثروة سيتعاظم في حالة الإقليم منه في حالة ولايات متفرقة . وبصورة أدق أن دارفور إذا قدر لها أن تكون إقليماً ستفتح أمامه فرصاً سانحة لجذب الاستثمار الأجنبي والمعونات الخارجية . ونزولاً لهذه الفكرة إذا كان هدف المطالبة بالإقليم هو تمكين دارفور الكبرى من البحث عن مساعدات خارجية ، فالدول مظان الدعم في المجتمع الأوربي مهمومة بقضاياها الخاصة ، وبمشكلاتها الاقتصادية المتفجرة نتيجة للأزمة المالية العالمية التي اجتاحت أوربا وأمريكا مؤخراً . كما أن تجربة ( JAM ) لإعادة إعمار دارفور فشلت لعدم إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته المعلنة تجاه دارفور ، في حين أن تجربة مؤتمر المانحين لتنمية ولايات الشرق بالكويت حققت نجاحاً باهراً في جلب الاستثمار الأجنبي والدعم العربي دون أن يطالب أحد بإقليم. ولأن هذا الموضوع المطروح محفوف بالمخاطر التي لا تنحصر فقط على دارفور ومستقبلها بل بقية السودان بأجمعه ، دعونا نستجلي محاسن ومساوئ الإقليم بطريقة علمية وموضوعية باستخدام ( cost and ben efit analysis ) قبل اتخاذ المواقف بالعاطفة أو فرض فكرة الإقليم بعمامة الأستاذية أو الوصاية على شعب دارفور اللماح والفطن . على الرغم من المبررات التي ساقها مسئول ملف دارفور حول ضرورة توطين الحل أي التعاطي مع جذور المشكلة في سياقاتها المختلفة كما ظهرت في وثيقة إستراتيجية دارفور ، هنالك فريق آخر من مثقفي دارفور يظن أن إجراء الاستفتاء لشعب دارفور حول الإقليم في الوقت الراهن محاولة ماكرة لتجاوز الحركات التي تحاورها الحكومة بالدوحة ، ودق إسفين الخلاف بين أبناء دارفور . لذلك يرفضونه ويرفضون معه القرار الصادر من قبل السيد رئيس الجمهورية بزيادة عدد ولايات دارفور استجابة لتوصية ملتقي أهل السودان بكنانة ، دون مراعاة للآثار الكارثية التي تنجم عن إطالة أمد الحرب من ضراوة العيش في معسكرات النزوح واللجوء ، وتعرض أطفال دارفور في المعسكرات لمحاولات التنصير المستمرة بل وتهريب بعضهم إلى أوربا عن طريق إحدى المنظمات الأجنبية ، وتوطين الحرب في مناطق بعينها مما يعني فقد طعم الاستقرار وتضييع فرص التنمية فيها باستمرار حالة اللاحرب واللاسلم ، وحرمان قطاع عريض من سكان دارفور من التواصل وتبادل الزيارات مع ذويهم بسبب استدامة الحرب .وأننا حين نتساءل عن جدوى الإصرار على الإقليم بكل هذا الثمن الغالي الذي يجب أن يدفعه شعب دارفور في انتظار تغيير قناعات بعض شبابنا الذين حملوا السلاح ، ونميل إلى القبول بتوصية الأحزاب السودانية بما في ذلك الحركات الدارفورية الموقعة وأحزاب المعارضة بزيادة عدد الولايات ، ننطلق من المصلحة العامة التي يجب أن تحجب المصالح الخاصة . كما لا نسعى لفرض آرائنا على الآخرين ولكننا عملاً بالقول المشهور «رأينا صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب »نطرحها للنقاش الحر والتقييم الموضوعي الذي يجب أن يكون المنهاج والديدن. *نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية المجلس الوطني نقلاً عن صحيفةآخر لحظة 30/3/2011