شهدت قاعة لوسيل كبرى قاعات فندق الريتز الدوحة لقاء للرئيس عمر أحمد البشير بالجالية السودانية خلال زيارته الاخيرة لقطر وكعادته دخل القاعة وابتسامة عريضة تتمدد حتى جبينه وهتافات كادت هي الاخرى تتمدد لتطفح على زبدة "كلام الرئيس" هتف الحضور "سير سير يا البشير" بحناجر قوية جهزت تماماً لمثل هذه اللقاءات.. والتهليل والتكبير.. وحار التصفيق تعالى أكثر فأكثر كلما ذكر اسم قطر لفضائلها على السودانيين وما يجدونه من تقدير واحترام ولمواقفها الناصعة على الصعيد الاقليمي والدولي للدرجة التي حسبت أن "الزولات" سيخرجون وبنفس وتيرة "الحماسة والفرايحية" لخارج ذلك الفندق ذو الخمس نجوم والذي لم يعرف إلا مؤتمرات نوعية للحوارات الهادفة الهادية، وتداول الرؤى والخبرات وبلوحات اللابتوب والمؤثرات الصوتية الأقرب للهمس. * "سير سير يا البشير" خالفت معهود هتافات الشارع العربي "اِرحل..اِرحل" وبرغم ان السودان خرج من احد اهم القضايا المثيرة للجدل والعقبة الكوؤد استفتاء جنوب السودان، لكنه خزل الكثيرين.. واجتازها بجدارة أخمدت النيران قبل ان تشتعل فتعيد الوطن ليس للثورات، ولكن لمربع الحروب الكريهة، وبرغم أن إحدى أهم كفتي الاستقرار "ملف سلام دارفور" ما زالت تتأرجح رغم الجهود المبذولة من الحكومة وبأيادي القيادة القطرية والمساندة الاقليمية والدولية منتقصة من كمال طموحات الانسان السوداني، الذي يترقب نتائج ملموسة بين لحظة واخرى. لا أحد يمكن إنكار أن للسودان حظاً واسعاً في شأن الفساد "رحيق الثورات العربية" بحسب تقارير المراجع العام ومنظمة الشفافية الدولية وايضا كثير شواهد تعكر صفو كرامة إنسانه، فسارع الرئيس البشير بإطلاق مفوضية للفساد لتحجيم هذا البعبع وطرح طروحات لتكوين حكومة وحدة وطنية عريضة لم تر النور حتى هذه اللحظة. المواطن البسيط "ملح طعام أرض السودان" يتململ من غلاء المعيشة، وشباب عاطل عن العمل طموحاته لم تتحقق رغم الحجارة التي ترمى في السلال لإعادة العافية للاقتصاد السوداني تحسباً لتوقف "ماسورة البترول" بعد انفصال الجنوب، وبحسب قسمة ما زالت ملامحها لم تتضح باعتبار ان الجنوب هو المنتج الاساسي لخام البترول ومنشآت استخراجه وتصفيته وتسويقه تمر بالقسم الشمالي وملفات أبيي والجنسية.. إلخ تنتظر الحسم القاطع. إن قيام مشروعات تنموية كالسدود والجسور وسفلتة الشوارع لا تخطئها العين ولكن إعانة الفقراء والاسر المعدمة في بلد يعرف "بسلة غذاء العالم" تحتاج لجهد أكبر يتجاوز "أكل اليوم باليوم" لإفساح مقاعد القرارات لذوي الكفاءة الاقتصادية والقدرات العلمية والخبرات التراكمية بصرف النظر عن الولاء الحزبي الضيق. السودان وإن انتقصت مساحته الجغرافية بميلاد دولة الجنوب فهو كبير إن أعيدت خارطته الاقتصادية التنموية بعيداً عن أيادي "اللغف والسمسرة الاستثمارية" والفساد والمحسوبية.. ضرورة طرح مشروعات بحجم سد مروي وسكر كنانة لتتحول بلاد السودان "بلد الأيادي المنتجة التي تطعم الأفواه".. وسياسياً لابد ألا يحتكر المؤتمر الوطني السلطة المطلقة في بلد متنوع الأعراق والأعراف.. وعرف الثورات وأتقن هندستها منذ حقب سابقة. ليس عدلاً أن تتهاون أو تراوغ حكومة البشير أو الحركات المسلحة لرأب الصدع في دارفور التي تتوجع.. إن جيلا لا يستهان به من الاطفال ولدوا وترعرعوا وسط الملاجئ المهينة لأن الإنسان تعطشه للكرامة والحياة الكريمة الفطرية تتنازعه وتمكنه أن يقول: "اِرحل بدلاً من سير".. ليس مقبولا ألا يسجل السودان نجاحات في "الاستثمارات الزراعية الحيوانية والصناعية".. لامتلاكه النوعي لكل المقومات: أراضيَ واسعة صالحة للزراعة ومياها متدفقة أنهارا وخلجاناً، وباطنُ أرضه مختزن لمعادن متنوعة، ومستثمرون عرب يطمحون إلى تقصير ظل البيروقراطية وما يعرف ب "ففتي ففتي". "سير سير يا البشير" وإن صدعت بها الحلاقيم والحناجر تبقى شعارات براقة تترادف تماماً مع "اِرحل اِرحل" إن تأخرت قطارات الإصلاحات السياسية والازدهار الاقتصادي او وقفت في احدى المحطات.. ان السوداني صانع لثورات شبابية عريقة راح ضحيتها طالب كلية الطب "القرشي" ولدت ثورة أكتوبر الشهيرة وهو من استطاع ان يخلع رجل مايو القوي "جعفر محمد نميري" بثورة شعبية عارمة وغير ذلك الكثير من تجارب صقلت "الزول" سمحَ المحيا قويَّ العزيمة الشهمَ المقدامَ!!. "سير سير يا البشير" لأن مفاتيح الحلول ما زالت بأيديكم التي تتشابك وطموحات كثيرين هتفوا لكم بالبقاء وإن تجاوزوا مطالبهم الذاتية كتلك التي وردت في خطاب رئيس الجالية السودانية بقطر في ذلك اللقاء بقاعة لوسيل.. فقط لأن الجميع يريد أن "يسير.. يسير البشير" ولكن إلى الأمام.. همسة: لم تنجح دولة في حصر الفقراء.. لكنّ دولاً كثيرة أدخلتهم ضمن الدورة الاقتصادية. المصدر: الشرق القطرية 4/4/2011