ما نشهده هذه الايام هو ان الشعوب كسرت حاجز الخوف كما ذكرت في مقالات سابقة وكان طليعتها الشباب الواعي. رغم «سلمية ومشروعية» احتجاجاتهم الا ان الانظمة الحاكمة تفاعلت معهم بالقمع والضرب والقتل المباشر بالرصاص الحي والغازات السامة المحرمة دوليا «اليمن» والقنص من اسطح العمارات. لجأت السلطات الى قوى الامن والكتائب والحرس الجمهوريين، اندس بعضها في لباس مدني وتعمد القتل والسلب والتخريب وعمدوا الى الفُرقة القبلية والحزبية والطائفية قاصدين ايهام الشعب ان الاستقرار والطمأنينة لا تكون الا بهم وان الفوضى والدمار ينتعشان في ظل الاحتجاجات! واذا بالمتظاهرين والثوار هم الذين يحمون الديار ويهتفون بوحدة الاوطان! لا يؤدي ما تقوم به الانظمة لاخماد الثورات الا الى مزيد من اشتعالها، فتنتشر كما النار في الهشيم لتعم كل ارجاء البلد الواحد.. بل تتخطى الحدود البرية والبحرية وتجتاح معظم الانظمة العربية التي لم تعِ الدرس ولم تفق من غيها والتي استخفت بشعوبها وتفرجت على القمع الوحشي الذي قامت به قواتها «العلنية والخفية».. ويستمر تقديم الشهداء، وفوارق الغضب.. وهنا متأخرا جدا تبدأ السلطات في تقديم الترضيات وبعض التنازلات من اقالة للحكومة والمحافظين الى الهرولة الى طرح بعض الاصلاحات الى صرف مكافآت الى خلق فرص جديدة للعمل الى بعض الزيادات في الاجور.. الخ ولكن الاحتجاجات استمرت في بعض تلك الدول وارتفع مؤشر «التسونامي» فيها بارتفاع سقف المطالب والتي تنسى السلطات انها «مشروعة» تتوالى التنازلات «بالقطارة».. وتكتظ الميادين والطرقات، وتتمدد جنباتها لتستوعب المزيد وترتج جنباتها وارضياتها بالهتاف «ارحل» و«الشعب يريد اسقاط النظام» الذي يتطور الى «محاسبة النظام». صرخات هتفت بها القلوب قبل الحناجر في وجه الظلم والاستبداد.. كتبوها «ارحل» على الجبين والخدود والاكف والملابس وخوذات الجنود المنحازين للشعب «اهلهم»... وعلى الحوائط وعربات الشرطة والدبابات وحتى مخبوزة برغيف الخبز «اليمن». يطلب الحكام الحوار يتم الرفض.. يبدأ الحكام في المن الذي سبقه واعقبه الاذى.. بتذكير الشعوب بما قدموه لها من «خدمات وتضحيات!» متناسين ان التخمة اصابتهم من خير هذه الشعوب وعرقها. بعضهم يدّعي انه قد «فهم الآن فقط» تونس، وآخرون يصرون على اكمال ولايتهم «مصر/تونس/ اليمن» ويطمئنون الثائرين الا نية في التجديد!! وبعضهم يخاطب برلمانهم «المطبع» بأن مطالب الثوار معلومة لديهم وصدر بصددها قانون منذ سنوات! ثم يضحك كثيرا ويضحكون معه «نواب البرلمان» ولعله خوفا او طمعا او خنوعا.. ثم يخرج من القاعة «بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم «سوريا»!! بعضهم يستعدي قواته على شعبه في بدعة غريبة داعيا لملاحقتهم دار دار.. زنقة زنقة حتى صارت مثلا.. بل ابتدع بدعة دخل بسببها التاريخ من «اقذر» ابوابه، وهي انه جلب مرتزقة من الخارج لقتل المحتجين بدم بارد.. هذا قاد الى «تدويل» الامر بكل ما يحمل من سلبيات. مع هبوب اعاصير التسونامي بعض الانظمة لا يحاول تجنبها بالاصلاح بل «يكابرون» ويتمادون في «الكنكشة» ومنهم من هرب.. منهم من ترجل «بعد طلوع روح» ومنهم من ينتظر. بقي ان نذكر ان هؤلاء الحكام كانوا يخاطبون الشعوب عند بداية حكمهم او ساعة «زنقاتهم» بالشعب العظيم، المواطنون والاخوة الاحرار وغيرها، ولكن حين هبت ضدهم، ذهل الحكام وعاملوا الشعوب كالايتام على مائدة اللئام وخاطبوهم بعبارات مثل «قلة مأجورة، مارقين، عصابات، مخربين، مليشيات، مدمنين، قافزين على السلطة، شذاذ آفاق، جرذان ومقملين» بل ان بعضهم وصف رجال الاحزاب «باصحاب السوابق «اليمن». ويستمر الوعيد بالسحق والضرب «بالجزمة» في الوقت الذي قذف الشعب صورهم في شاشات البث الحي الضخمة وعلى البنايات بالاحذية وهشم التماثيل.. شهدنا استقالات قادة القوات النظامية وافرادها والوزراء والسفراء وعلماء الدين والجامعات وقادة الفكر والفن والسياسة والاعلام.. هذا الانحياز عزز الاحتجاج واكد معنى «الانتماء للوطن فقط». ما ذكرناه هو سيناريو لرواية حدثت ولا زالت تتكرر فصولها باب باب.. سطر سطر.. حرف حرف والمطلوب من الحكام تجنيب بلادهم وانفسهم مثل هذه «الزنقات» والابتعاد بها عن حدوث مثل هذه الاضطرابات وحمامات الدم.. فهل من مدكر؟ ونحن في السودان فان وطننا غال علينا جدا وشعبنا كذلك غالٍ علينا جدا ولا نريد لقطرة دم واحدة سودانية ان تراق.. وغير خاف الضائقة المعيشية التي تحكم خناقها.. وانواع من الظلم والفساد والقصور الذي تطفح به الوسائط الاعلامية.. هذا مع الازمات العصية الاقليمية الداخلية وصورة السودان عند الغرب خارجيا. التسونامي الغاضب الذي يعتمل في صدور افراد الشعب لا تصده قوة الحكومة التي تسيطر على كل شيء ولا يؤخره ضعف المعارضة التي «تحضر ولا تجد احدا». يا قوم.. تلك الثورات اشتعلت بحادثة صغيرة «تونس» وحشد الشباب اولا ثم صارت قومية بعدها.. او انفجار شعبي منذ بدايته اي ان الاحزاب لم تشكل حضورا بل ان الثوار في كل البلدان اكدوها لاحزبية.. لا طائفية.. ولا قبلية.. ورفضوا تصنيفها بتاتا.. الثورات ليس لها ميعاد وما النار الا من مستصغر الشرر. نرجو صادقين ان تتواضع الحكومة وكل فئات المجتمع المدني والمهني «الشرعي» والكيانات النقابية والحزبية والشخصيات القومية وكل الحادبين على مصلحة الوطن على الاجتماع في حوار جامع يخلق ارضية للاتفاق حول وسيلة للحكم تهدف الى بسط الحريات وحل الاشكالات التي تهدد استقرار ووحدة وهيبة ورفاهية الوطن. يجب الاسراع في الالتفات لحقوق المواطنين ورفع المستوى المعيشي لهم. يجب العمل على تقليص الفوارق بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس والعمل على معالجة كل اوجه القصور والهنات.. عدم الاستخفاف بأمور المواطنين مهما صغرت.. والايفاء بكل مستلزمات المواطنة.. التأكيد على الشفافية واشراك الآخرين في امور الوطن الحيوية التي تمسه وتمس مواطنه وتمس مرافقه العامة الحيوية وسيادته. الاستفادة من النقد البناء ومن تجارب الآخرين واخذهما بعين الاعتبار وليس «بالطناش» وتهديد من ينتقد بالويل واسكاته «إن كان على حق» علينا جميعا جعل الوطن ومصلحته نصب أعيننا ونشيع بيننا قدرا من المحبة والاحترام والمشاركة لانه: «رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها». و«قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون».