اتخذت الحكومة السودانية – علي وقع خطي الحادثة الاستخبارية التي نفذتها إسرائيل بشرق السودان أواخر الأسبوع ما قبل الماضي – جملة من التدابير السياسية والأمنية كأمر طبيعي مطلوب في مثل هذه الأحداث ذات البعد الطويل المدي. فمن جهة أحاطت الخارجية السودانية العديد من دول العالم بطبيعة العدوان وخطؤه وعدم استناد الي أي مبرر. ومن جهة ثانية شرعت في تقديم شكوى الي مجلس الأمن, وسواء اتخذ المجلس قراراً ينصف السودان أو لم يفعل فان المهم أن السودان فعل الإجراء المطلوب وفقاً للقانون الدولي وأشهد العالم بأسره علي ذلك. ومن جهة ثالثه – وهذا اختصت به وزارة الدفاع, فقد تم تدعيم أنظمة الدفاع الجوي بأجهزة ومعدات أكثر تطوراً, ذلك علي الرغم من أن المشكلة – كما تبث لاحقاً – لم تكن تتصل بتشويش الطائرات الإسرائيلية أو تعطيل الرادارات بقدر ما كانت المشكلة أن الوضع الذي وقعت فيه الحادثة – ما بين مطار بورتسودان ومدينة بورتسودان – موقع به قدر من الحساسية لوجود طائرات في المطار وسيارات علي الطريق, وقد كان أمراً لا يخلو من صعوبة أن تطلق المدافع المضادة قاذفاتها في موقع كهذا كان من المؤكد أنه سوف يوسع نطاق الكارثة. ومن جهة رابعة فان السودان يفكر الآن ويدرس خيارات عديدة – لا تقع علي حصر – للرد علي العدوان ليس فقط من باب الاقتصاص لنفسه ولكن أيضاً منعاً لتكرار حادثة كهذه, هي دون شك تمس صميم الأمن القومي السوداني من قبل دولة باتت هي الدولة الوحيدة في العالم التي ينطبق عليها وصف العدو الدائم. غير أن من المهم هنا ونحن نمعن النظر في الحادثة وتداعياتها أن نحدق في الوجه الآخر للحادثة, الوجه غير الظاهر علي المشهد, وإنما هو علي الجانب الآخر من الصورة. ونعني به أن إسرائيل بدت كمن تستفز السيادة الوطنية السودانية, وتحاول إرسال رسالة الي السلطات السودانية أنها حاضرة في السودان وسوف تسعي لتكون ضمن الأوراق المطروحة فيه. هذا الوجه للصورة تبدو مخاطره علي إسرائيل أكبر فالسودان دون شك يقع ضمن محيط وحزام عربي إسلامي واسع النطاق ومؤثر ولن يعجزه في هذا الصدد أن يفعل ما يؤثر علي إسرائيل بحيث تعيد النظر في عربدتها في أجوائه وأراضيه علي هذا النحو السافر, وهذا الأمر ربما اقتضي أن يمضي السودان قدماً في إستراتيجيته الخاصة بمكافحة الإرهاب بصرف النظر عن الحادثة, وفي الوقت نفسه يسعي أيضاً لإيصال رسالة الي الولاياتالمتحدة بأنه حين يسعي سعيه هذا إنما يقصد بذلك ترسيخ إستراتيجية وليس لإرضاء طرف. هذا كله بجانب حقه الطبيعي المكفول في الدفاع عن نفسه!