كانت آخر قمة خليجية تلك التي انعقدت في دورتها العاشرة بسلطنة عمان ولم أشهد بعد ذلك أية قمة إلى أن دعيت من قبل الديوان الأميري لحضور الدورة الثلاثين.. ثلاثون دورة مضت الآن على إنشاء وقيام مجلس التعاون الخليجي تم خلالها التوصل إلى تحقيق الكثير من الإنجازات التي كانت مجرد أحلام تراود القادة يلتقون حولها ثم ينفضون.. الطموحات كبيرة ولكن بلوغها يصبح على الدوام عقبة آداء في سبيل الشعوب والقادة معاً.. فخلال الثلاثين سنة الماضية من عمر انعقاد قمة مجلس التعاون تحقق قيام منظومة درع الجزيرة التي تشكل درعاً حقيقياً لتوفير الأمن لدول المنظومة الخليجية ولكن ذاك الدرع ظل في حالة سكون إلى أن سنة يد القرارات في الدورة الثلاثين عندما جاء إحدى المقررات بضرورة تطوير وتحريك ودعم هذا الدرع ليكون درعاً حامياً للأمن والسلام لهذه المنطقة الهامة من المنظومة العربية. ولعلي لا أبالغ إن قلت إنني تلقيت دعوتين حتى الآن كصحفي عربي خبير قضى أربعين عاماً في دهاليز صاحبة الجلالة وقاعات المحاضرات لتعليم الإعلاميين الشباب وطلائع المستقبل في عدد من كليات وأقسام الإعلام بالجامعات السودانية وكقيادي نقابي على المستويات المحلية والإقليمية والدولية هاتان الدعوتان كانتا من قبل المعنيين بالتنظيم في مجلس التعاون الخليجي أو الدول المنظمة وأشكرهم كثيراً على ذلك.. ولكنني لم أتلق حتى الآن وطوال عملي الصحفي في صحيفة الأيام والأسبوع والإنقاذ الوطني والرأي الآخر وكاتباً في الشؤون السياسية المحلية والعربية والدولية مجرد دعوة من الجامعة العربية حتى تلك القمم التي انعقدت ببلادي فأي فهم هذا وأي تقدير هذا. ولكنني بصدد الحديث عن مخرجات القمة الخليجية اليوم أود أن أؤكد أن ما جاء في كلمة الافتتاح لأمير الكويت رئيس القمة من مجرد إشارات جاءت معبرة وبقوة عن قضايا مفصلية لا تهم دول مجلس التعاون فحسب وإنما تعم دول الجامعة العربية التي لا نجد في قممها سوى العكننة والخلافات والتوترات وفي النهاية قرارات مائعة لا تحمل في مضامينها أية معان أو رسائل تطمئن المواطن العربي أو القضايا العربية الشائكة والمعقدة.. فقد جاء في كلمة سمو الأمير إشارات تدعو الفلسطينيين لضرورة توحيد الصفوف.. وضرورة قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وإشارة قوية في مساندة اليمن والسعودية وأن المساس بأمن السعودية مساس بأمن الخليج كله.. وإشارة إلى ضرورة تقوية درع الجزيرة الذي كدنا ننساه بالمرة.. وإشارات ورسائل قوية لإسرائيل وحلفائها وإيمان دول الخليج بأن تحل قضية إيران بالطرق السلمية والدبلوماسية ثم إشارة قوية إلى تفجيرات العراق وحق الشعب العراقي في أن يعيش في سلام وأمن.. ورسالة قوية لإيران بضرورة العمل بالمعايير الدولية لاستخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية والإقرار بحقها قانونا في ذلك. خطاب الأمير رغم أنه كان قصيراً إلا أنه كان مليئاً وملماً بكل قضايا المنطقة والمحيط العربي ولذا فقد جاءت القرارات والتوصيات لمصلحة المنطقة وشعوب المنطقة مثل إنشاء لجان للعمل في تحسين خدمات الصحة والتعليم وإنشاء أمانة للعملة الموحدة وانضمام أربع من دول الخليج لها والربط الكهربائي لدول الخليج وإنشاء السكك الحديدية لربط شعوب دول الخليج ببعضها البعض ليكتمل باكتمال العملة الموحدة والبطاقة الشخصية بديلا عن الجواز والتأشيرة ثم السكك الحديدية وتوحيد مناهج التعليم.. كل هذه الإنجازات تحققت عبر قمة عقدت خلال أربع وعشرين ساعة وجلسات قصيرة لم يضيع فيها القادة الساعات من وقتهم وجهدهم. وإزاء هذا المشهد الرائع الذي عبر عن درجات الوعي لقادة دول مجلس التعاون فقد اجتاحتني قناعة راسخة بمدى انسجامهم وتفاهمهم لثقل المسؤوليات الملقاة على عواتقهم وهو استشعار عظيم بالمسؤولية أمام الله وأمام الشعوب.. فخطر لي أن أقارن بين هذه القمة الإقليمية لدول مجلس التعاون التي استطاعت أن تكسر حدود الجمود التي توقفت عندها القمم العربية فصارت مسخاً منسوخاً من بعضها البعض بفضل نظامها الأساسي القديم الذي لم يتجدد طوال ما يزيد على نصف القرن من الزمان حتى صارت الأمة العربية بأجمعها عاجزة عن اتخاذ موقف وقرار واحد شجاع حيال ما يدور في الأراضي المحتلة أو العراق أو السودان أو الصومال.. وهي بيدها أن تفعل كل شيء ولكن الخلافات والعناد والارتماء في أحضان القوى العظمى جعلها بلا لون ولا طعم ولا معنى.. فالتحية لمجلس التعاون الخليجي الذي استطاع وخلال القمة الأخيرة أن يقول ها أنا ذا ! نقلاً عن الشرق القطرية 24/12/2009م