دائماً ترتاع وتفزع القوى المعارضة السودانية حين تجد أن حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي قارب التوصل لاتفاق مع الحزب الحاكم. ومبعث الارتياع فيما يبدو أن هذه القوى المعارضة تعلم وزنها وتعلم أنها غير قادرة منفردة أو مجتمعة أن تفعل شيئاً وكلنا سمع ما قاله المهدي نفسه ووافقه عليه الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الترابي من وجود صعوبات لا يستهان بها بشان تغيير النظام. إذن من الطبيعي أنه وكلما نقص عدد المعارضين كلما ازداد الأمر لهم سوءاً . الأمر الثاني، أن غالب هذه الأحزاب بداخلها (محمولات ايدلوجية) تمثل نشاذاً وهي تدرك أن للأمة والوطني أوجه مقاربة فكرية وأطروحات لا تختلف كثيراً في جوهرها، ولذلك تخشي أن يتسع نطاق الطرح الفكري ذي الطبيعة الإسلامية وتستعصي مهتم كقوى معارضة تماماً في الحصول على سودان علماني، يتراجع فيه تماماً دور الدين، وهذه في الواقع احدي أهم مرتكزات لمشروع السودان الجديد الذي اجتذب العديد من هذه الأحزاب وجعلها تنساق وراء الحركة الشعبية منذ أيام زعيمها الراحل قرنق ولم تفقد الأمل حتى بعد رحيله مع أن الأمر كان قد بدا غير ممكن التحقق مطلقاً. الأمر الثالث، أن هذه الأحزاب هي في الأصل ضجيجها اكبر من حجمها الحقيقي وقد درجت على إثارة الضجيج الإعلامي باعتباره وسيلتها الوحيدة للتعبير عن وجودها ولهذا فإنها تخشي – وفي ذلك تبدو محقة – من الفناء السياسي إذا ما انخرط الأمة والقومي ولحق بهما الاتحادي الأصل في تحالف عريض. ويمكن القول اجمالاً أن القوي الحزبية الحقيقية في السودان الآن هي من تقرأ بعمق ووعي الخارطة السياسية الماثلة بعد انفصال الجنوب، وأنه الحركة الشعبية التي أثارت كل ذلك القدر من الضجيج وظلت تهدد وتتوعد لست سنوات ماضية هي نفسها في خاتمة المطاف لجأت إلى الهروب عبر دفعها لمواطني الجنوب للتصويت للانفصال، وهو تكتيك لا يعدو أن الحركة واثقة من نجاحه فلربما تفشل في إدارة دولة الجنوب وهذه فرضية قائمة ولربما تجتاحها قوى متمردة تنزع عنها السلطة شانها شأن أي سلطة في إفريقيا يمكن أن تتعرض لعمل عسكري معارض يطيح بها. لكل ذلك فان مخاوف القوى المعارضة قليلة الوزن تبدو مبررة من ناحية كونها لا حول لها ولا قوة وان حياتها مرتبطة بالالتصاق بالقوى الحزبية ذات الحجم الذي يفوقها ولو نسبياً!!