سألني وزير سابق في حكومات السيد الصادق المهدي، وقد شغل عدة وزارات سيادية، وهو رجل سياسي محنك صاحب رأي سديد وقول فصل، وشدني تساؤله كثيراً لأن الرجل لا ينتمي إلى المؤتمر الوطني بل هو من أنصار حزب الأمة.. تساءل الرجل ونحن نتبادل الحديث حول ما يدور في الساحة السياسية.. بالله عليك ماذا يريد تحالف جوبا؟ إن كان يريد سقوط الإنقاذ وتم له ما أراد، ماذا تتوقع الأحزاب المتحالفة بعد ذلك؟ وأجاب الوزير السابق على نفسه قائلا: إنها الفوضى، الدماء والاضطراب الشامل.. وأضاف: نحن نعرف بحكم تجاربنا أن غياب حزب المؤتمر عن الساحة ستنتج عنه فوضى أمنية لا تبقي ولا تذر.. الغريب جدا أن الوزير الوطني المتحرر أي تعصب أو لوثة تخامر العقل ذكر لي أنه كيف اندهش كثيراً عندما طرح ذلك التساؤل على زعيم المؤتمر الشعبي د. حسن عبد الله الترابي فقال له "المهم أن يسقط هذا النظام"!! دون أن يلقي بالاً لحالة لبرك الدماء المتوقعة.. وأضاف الوزير أنه قال للشيخ حسن إن أول ضحايا هذه الفوضى القادة السياسيين وأولهم أنت وهنا انتهى حواري ونقاشي مع زعيم المؤتمر الشعبي. لقد أصبح سياسيينا في سعيهم الحثيث إلى كرسي الحكم ميكافليون حتى الثمالة.. الحزب العقائدي المنشق لا يستحي من أن يتحالف مع الشيوعيين وكافة أحزاب البوار ضد حزب المؤتمر الوطني، بل لا يستحي زعيمه من تقديم ذلك الشاب ليلقي كلمة في (مجاهدي) مظاهرة التخريب واصفا إياها بالمجاهد.. الشاب الذي تعرض بلا شك لغسيل مخ قال: إن شباب حزبه (سيجاهدون) بالسلاح إلى جانب الحركة الشعبية ضد المؤتمر الوطني!! السيد الصادق المهدي اكتشف هذه الأيام أن هناك (مجاعة) تضرب بأطنابها في السودان، فكان بالنسبة إليه اكتشافا مذهلا قد ينجيه من (شر) الانتخابات التي بدأت ترعد الفرائص.. في مؤتمر صحفي بدار حزبه أمس قال الإمام وهو يتناسى عهده المثخن بالمجاعات والمسغبة: "هناك مجاعة حقيقية"!!.. حقا لم يعد هناك حياء يلجم حالة المراهقة السياسية التي تعتري أولئك الساسة السبعينيين.. لاشك أن حالة من الغيبوبة القيمية تتلبسهم وتذهب بعقولهم وتوازنهم. السيد الصادق المهدي سبق له أن سخر من قرب تصدير النفط السوداني فقد رأى فيه حينئذ أنه "مجرد أحلام ظلوط التي يراها النائم من السرير ويتزلط..!!" هكذا قال الصادق الذي أفلح في استحداث تعبيرات غريبة وعجيبة في عالم السياسة.. الزّلط في اللغة يعني المشي السريع لكن استخدام السيد الصادق لها ربما كان من باب التقعير!!. بيد أن أقبَحَ اللَّحن لحنُ أصحاب التّقعير والتقعيب، والتَّشديق والتمطيط والجَهْورةِ كما قال الجاحظ في البيان والتبيين. ونقل عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة). نقلاً عن صحيفة الرائد 24/12/2009م