تحليل سياسي بالطبع لم تفصِّل الحكومة السودانية أسباباً تفصيلية للدوافع التى جعلتها تقسم اقليم دارفور ليرتفع من ثلاثة ولايات الى خمسة . لقد اكتفت الحكومة السودانية بما قالت أنها (رغبة قديمة ومتجددة لأهل دارفور) فى سياق ترسيخ الحكم الفدرالي تماماً مثلما أن الاستفتاء الإداري حول بقاء الاقليم موحداً أو مقسماً إلى ولايات هى ايضاً رغبة دارفورية عبرت عنها بنود اتفاقية أبوجا . غير أن من السهل – بقدر من الموضعية المجردة – أن نتلمَّس طبيعة الأسباب التى دفعت الحكومة لزيادة ولايات دارفور الى خمس ولايات. أولاً : يمكن القول إن الحكومة السودانية – التى ترقد على تجربة تتجاوز العقد ونصف من الحكم الفدرالي – أدركت ان إقليم دارفور الذى تسبب فى العديد من المشاكل التى لا تزال بعض تداعياتها ماثلة سوف يساعد تقسيمه فى تقليل حدة التناقضات الاثنية التى أفرزتها الحرب إذ يمكن بهذا لتقسيم اتاحة الفرصة لأقصي حد من تقاسم السلطة بين اثنيات و قبائل الاقليم بالتجانس والانسجام المطلوب ، ومن المعلوم بداهة وفقاً لمقتضيات الحكم الفدرالي أنه يعمل على تقسيم السلطات و الصلاحيات الى أقصي مدي وهو ما يساهم و يحد من حدة أى توتر بين المجموعات السكانية ، وقد أجرت الحكومة دراسات عديدة فى هذا الصدد ليس وليدة اليوم. ثانياً: إقليم دارفور وكما هو معروف إقليم شاسع المساحة (بمساحة دولة مثل فرنسا) و من المؤكد ان التقسيم يساعد على نحو واضح فى تسهيل عملية إدارته بحيث تتمكن كل منطقة من إدارة شئونها دون تكبد مشاق من أى نوع ، وهذا فى الواقع الهدف المحوري من الحكم الاتحادي ، أن يتم تقصير الظل الإداري الى اقل مدي ممكن بحيث يشعر الكل بأنهم يشاركون فى ادارة شئونهم . و لعل من المفيد ان نشير هنا الى ان قضية إنشاء ولايات أو إلغائها قضية سياسية إدارية تفرضها الظروف التى تتوفر معطياتها لدي الحكومة وقد رأينا كيف حين اقتضت ظروف عملية السلام فى نيفاشا إلغاء ولاية غرب كردفان فان الحكومة – بعد دارسة الأمر – لم تتواني فى الإلغاء ، والآن حين انتفت الأسباب تفكر فى اعادة النظر فيها من جديد ، فالأمور من هذه الشاكلة تخضع دائماً لتقديرات سياسية تراعي المصلحة العامة . وأخيراً: فان التقسيم روعيت فيه الطبيعة الديموغرافية و الجيوسياسية لشمال السودان بعد خروج الاقليم الجنوبي ، ذلك ان هنالك مفهوم خطأ لدي الكثيرين حتى المستنيرين من الساسة ان تقليص مساحة السودان بخروج الجنوب منه يقتضي تقليص ولايات و محليات الشمال ، في حين أن الصحيح ان تُعاد هيكلة الشمال بحيث يتم توسيع نطاق الحكم الفدرالي أكثر ، وهو ما سبقت إليه الحكومة الجميع فى فهمها وإدراكها لطبيعة بلد شاسع المساحة كالسودان متعدد الاثنيات و القبائل و المجموعات العرقية. فى الواقع لم تخطئ الحكومة فيما أقرته بقدر ما أن الكثيرين لم يستوعبوا الخطوة بالقدر المطلوب من الفهم .