لم يستطع قادة الحركة الشعبية ضبط خطابهم السياسي من خلال نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت أخيراً، واضطر هؤلاء القادة إلى استخدام مختلف العبارات التي تؤكد أنهم لم يتعلموا من تجاربهم الماثلة من خلال الانتخابات العامة التي جرت تحت الأضواء والمراقبين الدوليين وبشهادة المنظمات التي راقبت تلك الانتخابات، واستمر هؤلاء القادة في إصدار التصريحات التي يمكن أن تثير الفتن ليس في جنوب كردفان وحسب، بل مختلف انحاء السودان، مما يعتبر مرتكبها مداناً إما باعتباره مواطناً يخالف الدستور والقانون.. وأما بوصفه أجنبياً يحشر أنفه في شؤوننا الداخلية، وفي كلا الحالتين هي جريمة يعاقب عليها القانون والدستور في ما يعرف بالمواد المشيرة إلى « الحرب ضد الدولة». وهذا أمر نحذر منه بإفساد أجواء السلام وبنود اتفاقية السلام التي تشير لذلك، مما يعتبر أيضاً خرقاً للاتفاقية سواء أشارت تلك التصريحات العرجاء إلى انتخابات جنوب دارفور أو النيل الأزرق، أو أبيي أو حتى في القضايا العالقة جميعها. إن اتهام المفوضية القومية للانتخابات الجزئية بولاية جنوب كردفان من قبل الحركة الشعبية وهي التي أشرفت على جميع مراحل الانتخابات العامة في السودان شماله وجنوبه، وقد نالت إشادة وإعجاب كل المنظمات، أمر مخجل يجب أن يستحي من قوله هؤلاء القادة، وهم الذين يفترض أن يتحلوا بقدر من الشجاعة والحكمة، خاصة بعد إعلان قيام دولتهم بعد أقل من شهر ونصف الشهر من الآن، وإن إدارة دولة ليست كإدارة قوات تمارس حرب عصابات، وإن المشكلات التي سوف تواجههم داخلياً تقتضي أن يكونوا على قدر من المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية.. فما الحاجة إلى التزوير إذا كانت تلك هي إرادة الجماهير في الولاية... ولماذا التزوير إذا كانت العملية قد جرت أمام أعينهم وتحت أعين المراقبين الذين راقبوا جميع مراحل الانتخابات ابتداءً من التسجيل وحتى الاقتراع والفرز، وكيف نالت الحركة ما نالته من دوائر وأصوات في دوائر أخرى، كما نال المؤتمر أصواتاً في دوائر وفازت في دوائر أخرى.. ما لم يكن الهدف من وراء ذلك محاولة امتصاص الصدمة وتضليل اتباعهم، ولو بمثل هذه الإدعاءات التي لا تستند إلى أدلة منطقية أو حقائق دامغة. إن أي مواطن عادي يعرف سلوك قادة الحركة خاصة أمينها العام ونائبه، كان يتوقع مثل هذه المواقف والتصريحات الرذيلة التي لا تليق بأناس صنعوا اتفاقية سلام أوتيت بكل استحقاقاتها بشهادة العالم كله ودون إراقة قطرة دم واحدة في كافة مراحلها، ولكن هذه هي سلوكيات باقان الذي لم يصمت للحظة واحدة عن الإساءة لشعب السودان ولأية جهة لا توافق وجهة نظره، فماذا يريد باقان وصحبه بعد أن فصلوا الجنوب قسراً وصارت لهم دولتهم لكي يكونوا فيها مواطنين من «الدرجة الأولى» كما تم إفهامه وتنشئته على هذا الفهم المغلوط؟.. وهل يظن باقان أنه بانفصال الجنوب سيكون مواطناً من الدرجة الأولى حتى في الجنوب!؟ وها هو ذا يحصد نتاج ما صنعت يداه من بنى جلدته.. وها هي الحرب الأهلية التي لن تشفع له فيها أموال البترول وأمريكا واسرائيل، وعليه أن يعلم بأنه لا يحق له ولنائبه بعد الآن أن يسيء لبلادنا بأية تصريحات عشوائية أو تهديدات يمكن أن تكون لها ما بعدها.. لأن الصبر على هذه المكاره لن يطول ولن يدوم إلى الأبد، وأن اتهاماته التي ظلت تراوح مكانها منذ بداية توقيع الاتفاقية ظلت كما هي حتى عندما ولي علينا رئيساً للوزراء.. فليبق باقان في المربع الأول.. ولتمض مسيرة أهل السودان.. ولينظر شباب السودان الجنوبي لمرحلة ما بعد باقان و«رفاقه». انتخابات جنوب كردفان جرت بكل الدقة والحيادية والنزاهة بحسب إفادات المفوضية القومية للانتخابات بقيادة البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله.. ونال المرشحون ما نالوا من أصوات حتى في الدوائر التي لم يفوزوا بها.. إذاً الناس ليسوا بحاجة إلى التزوير.. وليسوا أيضاً بحاجة إلى التهديد بخلق فوضى أمنية بالولاية أو بالخرطوم أو في أي مكان آخر.. فهناك قانون وهناك دستور.. وشعب السودان لن يقبل التسامح مع أي خارج على القانون.. وحتى أولئك المساندين الذين جندوا خبراتهم الضعيفة وكوادرهم لمساندة الحركة الانفصالية لن يتجاوزهم القانون إذا «ما فاتوا الحدود!!!» وهم يعلمون جيداً أنهم تحت المجهر، وأن تحالفهم مع قوى الانفصال هو امتداد لمقررات مؤتمر القضايا المصيرية في اريتريا، وابتدارهم برفع سقف مطالب الحركة تدريجياً حتى مرحلة الانفصال.. بينما يقول خطابهم المعلن لشعب السودان في الشمال بأنهم مع الوحدة وأنهم ضد مخرجات اتفاقية السلام. المؤتمر الوطني دون أن أكون منحازاً، فاز بدوائر معلومة ومقدرة، وكما تقول ثقافة كرة السلة «دبل سكور» ويزيد قليلاً.. وفاز مولانا أحمد هارون بتقدم كبير على الحلو.. ونال المؤتمر الوطني أصواتاً مقدرة في الدوائر التي فازت بها الحركة، فلماذا الحديث عن التزوير والتذمر والتهديد؟ فقد انتهت مرحلة الفوضى والتمرد وإطلاق التصريحات غير المسؤولة والاتهامات الباطلة ضد الناس.. وعلى باقان أن يهب جنوباً لبحث قضاياه مع دول الجوار الأخرى، ويلزم حدوده ولا يتجاوز حدود اللباقة وأدب السياسة والدبلوماسية.. فهو ليس سودانياً حتى يسعى لإثارة البلبلة في الشمال، ولا علاقة له بالشمال بعد قيام دولته.. وعليه أن يقنع شعب الجنوب الثائر ضده بأنه جدير بتولي أمور وشؤون الدولة، وليترك شعب السودان لحاله، وجنوب كردفان لن يكون جزءاً من الجنوب، وكذلك النيل الأزرق وأبيي.. فهذه قرارات فاصلة شعبياً ورسمياً.. بالانتخابات والمشورة الشعبية والاستفتاء. نقلا عن صحيفة الانتباهة بتاريخ :16/5/2011