مع أن الحكومة السودانية أعلنت عن تشكيلها للجنة عليا برئاسة نائب الرئيس السوداني الأستاذ علي عثمان محمد طه ذي الخبرة والخلفية القانونية الجيدة لدراسة تقرير لجنة الحكماء الأفارقة الذي قدمته لمجلس السلم والأمن الأفريقي قبل أيام بشأن كيفية التعامل مع جرائم حرب دارفور مقترحة انشاء ما أسمته (قضاء هجين أو مختلط) ليقوم بمهمة المحاكمات، مع كل ذلك، فإنه ليس من قبيل إستباق ما سوف تسفر عنه مداولات اللجنة وما ستخلص إليه القول إن قضية انشاء قضاء مختلط أو هجين يكاد يبدو في حكم المستحيل، وحتى لا يكون حديثنا هذا مجرد حديث مبني على ذهنية سياسية بعينها أو موقف وطني عاطفي، فإننا ننآى عن كل ذلك ونشير الى أن انشاء قضاء هجين أو مختلط لم يرد لا صراحة ولا ضمناً في النظام الأساسي المنشئ للاتحاد الافريقي، وبمراجعتنا للنظام الأساسي للاتحاد الأفريقي وقبله منظمة الوحدة الافريقية ثم اللوائح الداخلية المنظمة لعمل الاتحاد لم نجد نصّاً يشير الى أن مجلس السلم والأمن الأفريقي أو غيره من أجهزة الاتحاد الأفريقي لها الحق في انشاء محاكم هجين أو مختلطة لمحاكمة جرائم حرب وقعت في أي بلد من البلدان الموقعة على ميثاق الاتحاد الأفريقي، بل نمضي لأبعد من ذلك ونقول أن الاتحاد الافريقي وحتى بعد انشاء محكمة الجنايات الدولية في العام 2003وكان وقتها الاتحاد قائماً لم يلزم أعضائه بضرورة التوقيع على ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية وإنما ترك الأمر لتقدير كل دولة من دوله، فوقعت دول وأحجمت أخرى سواء بأسباب أو بغير أسباب ومن البديهي أنه لو كان الاتحاد الأفريقي يملك نصوصاً نحوّل له الحق في انشاء محاكم مختلطة بشأن جرائم الحرب التي تقع في الدول الأعضاء فيه لما كانت هنالك حاجة لانضمام بعض الدول الافريقية لميثاق روما وحيازة عضوية المحكمة الجنائية الدولية، لأن الانضمام في هذه الحالة سيكون بلا معنى طالما أن هنالك (قضاء هجين) بإمكان الاتحاد الأفريقي انشاؤه. هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن الدستور الإنتقالي سن2005ة لجمهورية السودان وهو الدستور الساري حالياً لحين سن دستور جديد عقب الانتخابات العامة المقبلة لم ينص لا من قريب ولا من بعيد على امكانية خضوع رعايا جمهورية السودان لمحاكمات في محاكم مختلطة ولهذا فإن د. غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني حرص على ايراد هذه الجزئية الهامة في حديث له عقب اجتماع مجلس السلم والأمن الافريقي مؤخراً حيث اشار الى أن الحكومة السودانية تعكف الآن على دراسة ما اذا كان قرار الحكماء هذا ينسج مع الدستور السوداني والقوانين السودانية وقضاء السودان والناحية السيادية أم لا. ونضيف الى ذلك أن الاتحاد الافريقي وربما بحسن نية مضى نحو خلق أزمة أكثر تعقيداً على اعتبار أن المساس بالسيادة العدلية مهما كانت المبررات من الأمور غير المقبولة لدى الدول الأفريقية ومن شأن تأسيس سابقة قضائية كهذه أن تقود إلى انفراط عقد الاتحد الافريقي لشدة حساسيتها ولغياب أي قواعد أو أسس يمكن الاستناد عليها في هذا الصدد!!