لن يصدق حتى السذج و البسطاء مقولة ان (قوة مجهولة) هي التى اعتدت على الجيش السوداني فى منطقة أبيي أواخر الأسبوع الماضي . ولعل أسوأ ما فى هذه الأكذوبة أنها أكذوبة (طرف يفتقر الى الشجاعة) والسودانيين عامة شمالاً أو جنوباً عرفوا بالشجاعة والرجولة ، ولهذا فان كانت الحركة الشعبية- وهى فى الأصل صاحبة المصلحة الأولي والأخيرة فى اختلال الأوضاع فى المنطقة - لا تملك هذا القدر من الشجاعة فهي دون شك تعلم ان خوضها لحرب فى مواجهة المشال نتيجته المحتومة خسارتها الفادحة . و هذه فى حد ذاتها كافية لإدراك مدي بؤس واقع الحركة الشعبية وهشاشة موقفها و فقدانها لأي منطق بالنسبة للنزاع الجاري فى أبيي . وإذا جاز لنا هنا ان نتوغل فى طبيعة الأحداث وما وراءها، فهي دون شك تقع تحت مسمي خطط الحركة الشعبية لاسترداد أبيي . فالحركة - بذهن متصلب – تعتقد أنها تملك المنطقة وان قراراً كان قد صدر فى العام 1905 بضمها الي كردفان، وهى مقولة ظلت ترددها باستمرار كلما جاء الحديث عن نزاع أبيي والسؤال الذى يفرض نفسه هنا- بذات القدر من البساطة - لو كان صحيحاً حقاً ان الأمر بهذه السهولة لماذا إذن لم تحسم الحركة هذا الأمر فى المفاوضات؟ لماذا ارتضت إجراء استفتاء فى المنطقة؟ وما الحاجة لاستفتاء منطقة أهلها من الجنوب وتقع ضمن الجنوب ؟ إن الأمر دون شك ليس بهذه البساطة ، فقد وجدت الحركة الشعبية ثغرة للتهرب من الحل عبر رفضها للاستفتاء برفضها اشتراك بقية قبائل المنطقة فيه . وليس هناك من عاقل يروق له منطق الحركة المعوج فى هذا الصدد ، فالمنطقة أصلاً تقع جغرافياً ضمن منطقة كردفان (بشمال السودان) وكل الذى فعله الانجليز فى العام 1905 هى أنهم وتسهيلاً على أهل المنطقة قرروا تبعيتها (إدارياً) لكردفان لأن سكان المنطقة فيهم دينكا نقوك القادمين من بحر الغزال . ان محاولات الحركة الشعبية احتلال أبيي أو انتزاعها انتزاعاً من الشمال بالقوة العسكرية هى محاولات يائسة و بائسة فى آن واحد ، فالحركة الشعبية دون شك تدرك حجم و قوة وبسالة الجيش السوداني ، فقد حاربته لما يجاوز العقدين و لم تستطع رغم كل قوتها ودعمها الخارجي – أن تتقدم و لو شبر واحد تجاه عواصمالولايات الجنوبية الثلاث المهمة ، دعك من مناطق داخل الشمال . إن ثقة الجيش السوداني فى العلمية السلمية و اتفاق السلام هى التى جعلته حتى قبل هذه الحادثة يمارس أقصي درجات ضبط النفس إذ أن من المعروف ان هذه ليست المرة الأولي التى يعتدي فيها الجيش الشعبي على المنطقة ، فقد تكررت الاعتداءات كثيراً، ولكن الأمر يتخلف هذه المرة فى ظل وجود دولة (قيد الإنشاء) فى الجنوب تريد ان تبسط سلطانها على المنطقة وتتفوق على الدولة الأم و لعل من المفيد أن تتعظ الحركة الشعبية فى هذا الصدد بدرس الحرب الارترية الإثيوبية بشأن منطقة بادمي الحدودية ، فالدولة الأم و إن مدت حبال الصبر وتحلت بأقصي درجات ضبط النفس إلا أنها فى نهاية المطاف قد تضطر لتلقين الدروس شديدة الوطأة و غير المحتملة!!