بصرف النظر عن أى قرار أو بيان رئاسي أعلنه ، أو أرجأ إعلانه مجلس الأمن الدولي عقب الاجتماع غير الرسمي الذى عقده مؤخراً بشأن أبيي ، فان من المؤكد – و مما بات ليس موضعاً لأي شك – ان الحركة الشعبية ماضية قدماً باتجاه تصعيد وتدويل الأزمة بما يجعلها واسعة النطاق والأبعاد. و سواء نجح مسعاها هذا او لم ينجح ، فان الدرس المستخلص هنا- ببساطة شديدة – أن هذا التكتيك مرده ضعف الحركة الشعبية بشأن أحقيتها فى المنطقة لاستنادها فقط على ان المنطقة تم ضمها فى العام 1905م لكردفان بعدما كنت ضمن منطقة بحر الغزال ، ومن البديهي - وحتى لمن ليس له اى عقل – ان الأمر لو كان بكل هذه البساطة (أرض جنوبية جري ضمها للشمال ، والآن تجب إعادتها الى الجنوب) لما كانت هنالك ادني حاجة لعمل بروتوكول خاص بأبيي ، وإقرار مبدأ استفتاء أهل المنطقة حيال تبعيتهم للشمال أو الجنوب، بل لو كان ما تستند عليه الحركة صحيحاً تماماً، فقد كان من الممكن(عند التفاوض حولها) أن يتم إصدار قرار - بموافقة الطرفين- يقضي بإرجاعها الى الجنوب ، ومن ثم يجري لاحقاً الاستفتاء حولها . وطالما ان ذلك لم يحدث فان الأمر المستنتج بكل سهولة و يسر أن الحركة و خلال عملية التفاوض فشلت فى إثبات أحقيتها بالمنطقة وفشلت فى الحصول على قرار بإرجاعها للجنوب - كما زعمت - وارتضت تبعيتها للشمال و أن يجري الاستفتاء حولها وهى تابعة للشمال . و غني عن القول فى هذا الصدد ان المنطقة لو كانت جنوبية خالصة لما كانت الحركة قد رضيت بإجراء الاستفتاء فى منطقة تابعة للجنوب ، و كما قلنا من قبل ليس من المتصور ان تقبل الحركة استفتاء لتبعية مدينة بانتيو أو واو ! كل هذا معناه أن المنطقة شمالية، وان ما ليس شمالياً فيها هم دينكا نقوك ، وهو السبب المنطقي الذي دعا لعملية الاستفتاء .إذن لم تجد الحركة الشعبية مناصاً من حل المشكلة سوي اللجوء الى مجلس الأمن ، وهى خطوة و كما وصفها المتحدث باسم الخارجية السودانية تصعيدية بغير مبرر ، حيث لا يملك مجلس الأمن - رغم كافة الصلاحيات التى يملكها- إرغام شمال السودان بالتخلي عن القضية و إعادة المنطقة الى الجنوب، كما لا يملك المجلس الحق فى فرض الحلول ، أو تجاوز نصوص اتفاقية السلام الشامل و لا قرار هيئة التحكيم بلاهاي . لقد رفضت الحركة الشعبية العديد من العروض المنطقية الكفيلة بتسوية الأزمة وهى بهذا المسلك بدت وكأنها فقط تريد انتزاع المنطقة بكاملها ، هكذا دون اى مقابل ظناً منها ان المنطقة حق من حقوقها و يعشعش وهم مخادع فى مخيلتها حول الكميات المهولة من النفط الموجودة فى المنطقة، ولكنها مجرد أمنيات وأحلام لا نعتقد ان الحركة قد حسبت جيداً أبعادها و تداعياتها الحاضرة والمستقبلية .