قرار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية أخيراً بطلب إصدار مذكرة توقيف ضد الرئيس الليبي معمر القذافي واثنين آخرين من كبار أعضاء نظامه، لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، لا بد وأنه يشكل ضربة أخرى لآماله في التشبث بالسلطة. . فالأدلة المرفوعة ضد القذافي ونجله سيف الإسلام ورئيس الاستخبارات الليبية عبدالله السنوسي، مقنعة للغاية. فهي تتضمن مهاجمة المدنيين في منازلهم وإطلاق النار على المتظاهرين، وقصف مواكب الجنازات، ونشر القناصة لقتل الناس وهم يغادرون من المساجد. وبافتراض امتثال القضاة لطلب المدعي العام وقيامهم بإصدار مذكرات التوقيف، حينئذ تنشأ مشكلة حول كيفية ضمان مثول المتهم للمحاكمة. منذ بداية العمل العسكري قبل شهرين بغرض حماية المدنيين من النوايا القاتلة للقذافي، أصر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وقادة غربيون آخرون يدعمون حملة «ناتو»، على أن الصراع سوف ينتهي فقط عندما يتم خلع القذافي من السلطة. . المشكلة في هذا المطلب هي أن القذافي وأتباعه يبدو أنهم ليست لديهم أية نية للتنازل عن سيطرتهم على السلطة، وهو الإصرار الذي من المرجح أنه سيتعزز من خلال إدراكهم أنه إذا تمت الإطاحة بنظامهم، فسوف يواجهون احتمال السجن مدى الحياة في محكمة لاهاي. . وكما حذر الجنرال السير «ديفيد ريتشاردز»، قائد القوات المسلحة البريطانية، عبر صحيفة «صنداي تلغراف»، مؤخراً، فإنه من غير المرجح أن يطيح «ناتو» بالقذافي، وفق القيود الحالية على مهام القصف التي يقوم بها، والذي يجب توجيهه إلى الأهداف التي تشكل تهديداً مباشراً على المدنيين. فإذا تمت هزيمة القذافي وتقديمه للمحاكمة، فسوف يؤيد «كاميرون» وحلفاؤه طلب الجنرال «ريتشاردز» باستهداف النظام مباشرة، أو تقديم اقتراح طريقة للخروج من هذا المأزق. في الوقت نفسه، يتعين على «ناتو» تكثيف الحملة العسكرية على ليبيا، من خلال تخفيف القيود المفروضة على قصف الأهداف، حسبما صرح «ريتشاردز». . وتعني القيود الصارمة التي تفرضها الدول الأعضاء في حلف «ناتو»، أن قواتها يمكن أن تهاجم الأهداف التي يمكن أن تعتبر بمثابة تهديد مباشر للمدنيين الليبيين، مثل الدبابات والمدفعية. وهناك قلق متزايد بين كبار ضباط «ناتو» من أنه «في ظل القواعد الحالية للاشتباك، فإن الصراع الليبي يمكن أن يفضي إلى طريق مسدود، في ظل استمرار القذافي في السلطة». . وعلى الرغم من مواصلة «ناتو» العمل في ليبيا على مدار شهرين، فلا يزال نظام القذافي يسيطر على العاصمة طرابلس، ولا يوجد أي مؤشر على التخلي عن السلطة. وأفادت الأنباء أن القذافي كان أصيب في غارة جوية شنها «ناتو» ولاذ بالفرار من العاصمة، كما يشير أحدث التقارير الاستخبارية الصادرة عن حلف «ناتو»، إلى أن القذافي وأسرته بلغوا حالة من الرجفة الشديدة جراء عمليات القصف من قبل «ناتو». . لكن ضباطاً كبارا يحذرون من أن «ناتو» لا يزال بحاجة إلى تحقيق تقدم حاسم، لإجبار النظام على التخلي عن السلطة إذا لم يفض الصراع إلى جمود. وقال أحد كبار الضباط في «ناتو»: «إذا واصلنا العمليات على هذا النحو، حينئذ سوف ينجو القذافي، وسوف نصل إلى جمود استراتيجي». . وعلى الرغم من أن الجنرال ريتشاردز يريد أن يرى تكثيفاً للحملة العسكرية، فإنه يصر على أن حلف «ناتو» يجب أن يتنبه أيضا إلى تجنب سقوط ضحايا من المدنيين. وأضاف: «لم تكن هناك حتى الآن أية إصابات بين المدنيين، نتيجة العناية القصوى التي اتبعها الحلف في اختيار أهداف القصف. فلو أن هناك خطراً يحدق بالسكان المدنيين في ليبيا، فإننا لا نقوم بقصف الهدف، فلا أحد يرغب في قتل مدنيين أبرياء». المصدر: البيان 23/5/2011