تطاولت وتمددت لأسابيع وأشهر طوال حتى دخلت عامها الثاني المفاوضات في الدوحة. وهي مفاوضات دفع لها المجتمع الدولي بوسيط مشترك هو الوزير البركيني (جبريل باسولي) الذي لاحظ العديد من المراقبين أنه (يسير ببطء) غير مبرر يصل إلى درجة التجمد!! كما انها مفاوضات تكفلت برعايتها على أرضها ومتابعتها عن كثب الشقيقة قطر متكبدة في ذلك مشاقاً سياسياً ومادياً يصعب على أي دولة أخرى تكبده. على الرغم من كل هذا الجهد وكل هذا الحراك وانعقاد وانفضاض الجلسات الا أن الناتج لا يزال صغيراً، فالحركات الدارفورية المسلحة جعلت من الدوحة (معسكر نازحين دولي) بكل ما تعنيه الكلمة، الفارق الوحيد بينها وبين معسكرات النازحين في دارفور أن النزوح هنا مستضاف في أفخم الفنادق. وبوسع أي مراقب تتاح له الفرصة للجوال في الدوحة أن يلحظ الوجود الكثيف لمنسوبي الحركات الدافورية هناك بسنحاتهم وملامحهم الداروفورية وقد استهوتهم حياة الفنادق والنعيم الذي يرفلون فيه . وقد تسني لنا في (سودان سفاري) الوقوف عن قرب ومشاهدة ما يجري وكان انطباعنا محزناً ومؤسفاً فالذي تراه أمامك شباباًًًًً أيفاع لم يصلوا سن الثلاثين، ولا يبدو أنهم قاتلوا من قبل، ولا تحمل ملامحهم هموماً وطنية جادة أو رغبة في حل أزمة صنعوها صنعاً. سوف تري أن متوسط إقامة هؤلاء في الفنادق الرئيسية الست في وسط الدوحة (موفنبيك)، (ريترز)، (شيراتون) ، (كارلتون)، (ريتاج) يتجاوز ال 0500) نزيل دارفوري!! وهؤلاء ليسوا وحدهم، فقد استجلبوا لاحقاً زوجاتهم وعائلاتهم لتصك أذنيك صراخات الأطفال الإيفاع وتعابير الامتعاض في وجوه الزائرين للدوحة والمقيمين فيها. والشيء الأكثر أسفاً وألماً، رأينا كيف ان هؤلاء الشباب ولفرط حياة الرغد (الخالية من أي مسئولية) قد اجتذبتهم مشارب الخمور والمخدرات وكافة الموبقات، ولا غرو فالحكومة القطرية تكفلت نثرياتهم الدولارية (تذاكر سفر، إقامة، اتصالات) طيلة هذه السنوات دون كلل أو ملل، فطابت لهم هذه الحياة وأنستهم أنفسهم. لقد أدي هذا الوضع إلى نشوء (بؤرة فساد أخلاقي واجتماعي) من المؤكد أنها انحرفت كل الانحراف عن مسار الأمور. وعلى الجانب الآخر فان حركات خليل وعبد الواحد وغيرها من الحركات الأخرى يروق لها هي الأخرى هذا الوضع فهي تراهن على أطالة أمد القضية وتنتظر معجزات تحملها إلى السلطة وتنفذ (بطاعة عمياء) أجندات الموساد وبعض المخابرات الغربية بتدمير شباب دارفور والعبث بكينونته على هذا النحو. أن الحركات المسلحة في دارفور بالفعل أساءت إلى السودان إساءة غير مسبوقة وأحرجت أهل دارفور إحراجاً غير معهود وغير محتمل ولا يلوح في الأفق من يتعقل ويرعوى من بين هؤلاء القادة التعساء، اللهم إلا إذا نجحت لقاءات أصحاب المصلحة والتفت أهل دارفور الحقيقيين لقضيتهم ولهذه المأساة القطرية وسارعوا باحتوائها!!