ثمة ملاحظات مهمة تستوقف الناظر إلى المشهد السياسي في ولاية النيل الأزرق، وهي أن تحولاً مفاجئاً طرأ على أسلوب والي ولاية النيل الأزرق في تعامله السياسي مع الحكومة المركزية، حيث برزت لغة تصالحية جديدة وأسلوب مهادن ومعتدل في تعاطي «عقار» مع القضايا الخلافية بينه والمركز من ناحية، وبين المركز والحركة الشعبية من ناحية أخرى، ولعل المراقب السياسي يلاحظ هذه التحولات من خلال تصريحاته التي أطلقها مؤخراً في مؤتمره الصحافي الذي عقده بكادقلي والذي دعا فيه إلى الحكمة والحوار الشفاف وأن تكون لغة الحوار هي السائدة، وأكد في الوقت نفسه استعداده لتنقية الأجواء بين الشمال والجنوب، وأضاف: علينا تجنيب المنطقة الحرب. مفاجأة «سارة» تفاجأت الأوساط السياسية والإعلامية بلغة المهادنة التي طرأت على تصريحات عقار الذي اعتاد على لغة المخاشنة والتهديدات والتوعُّد بنقل الحرب للخرطوم ومن داخل القصر الرئاسي و«الهجمة» وما إلى ذلك من التهديدات والوعيد. غير أن الظروف السياسية والأمنية التي أطلق فيها عقار تلك التصريحات كانت أرضية مهمة لتفسير الموقف الطارئ لعقار، لذلك كان طبيعياً أن يطرح السؤال الآتي نفسه بقوة: ما الذي دفع عقار إلى اللغة التصالحية والدبلوماسية الناعمة وهو أمر لم يعتد عليه؟! ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟! وللإجابة عن السؤال أعلاه يمكن استدعاء جملة من المعطيات التي يمكن أن نفسر على ضوئها التحولات المشار إليها في لغة وأسلوب والي النيل الأزرق الذي ظل يلوِّح بعصا جيش الحركة الموجود في المنطقة، ويستقوي به على نحو مستمر. وباإلقاء نظرة فاحصة للظروف السياسية والأمنية التي شهدتها المنطقة في أعقاب انتخابات جنوب كردفان يمكن تفسير الموقف المهادن لعقار في اتجاهين، الأول يمكن أن نشير من خلاله إلى أن عقار ربما أراد أن يحني ظهره للعاصفة التي شهدتها المنطقة ريثما تمر لتحقيق بعض الأهداف المرحلية، والثاني ربما أراد عقار أن يخلق مناخاً مواتياً يدفع الخرطوم للموافقة على طلبه بتمديد «المشورة الشعبية» للمناطق الثلاث. السيناريو الأول وبقراءة لما بين سطور تصريحات عقار يمكن الإشارة إلى أن السيناريو الأول «إحناء الظهر للعاصفة» تعززه جملة من المعطيات أبرزها أن الخرطوم استخدمت ثلاثة من «كروت» الضغط القوية على عقار دفعته باتجاه المواقف المرنة، حيث كانت الورقة الأولى من كروت الضغط تكمن في هيمنة المؤتمر الوطني على جبال النوبة بعد فوز أحمد هارون وبهذا فقد عقار أرضية مهمة وسنداً حقيقياً كانت تعول عليه الحركة ونائب رئيسها «عقار»، أما الورقة الثانية فتتمثل في بسط الجيش السوداني سيطرته الكاملة على أبيي، وإيجاد مبررات لحشد القوات المسلحة في المنطقة، وفتح «عينها» على «الدمازين» المهددة بالهجوم من جانب قوات الحركة الموجودة بالمنطقة، أما «الكرت» الثالث فهو إصرار الحكومة المركزية على تصفية أي وجود عسكري للحركة في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان وإذا حدث ذلك فإن عقار سيفقد أهم ورقة ظل يلوِّح بها في وجه المؤتمر الوطني والحكومة المركزية وهي القاعدة التي ظل يطلق منها صواريخ تهديداته.. وعليه يمكن تفسير لغة المهادنة لدى عقار من خلال استخدام المؤتمر الوطني لتلك الأوراق الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها. السيناريو الثاني أما السيناريو الثاني المتمثل في دفع الخرطوم للموافقة على تمديد «المشورة» بعد تهيئة المناخ لذلك فهذا السيناريو تعززه أيضاً معطيات أخرى حيث برزت حاجة مالك عقار الشديدة لتمديده فترة المشورة الشعبية للمناطق الثلاث، وأن هذا الطلب لا يمكن للخرطوم أن توافق عليه في ظل التوترات الحالية إذ لابد من خلق ظروف ملائمة لذلك، ويؤكد ذلك إشارة عقار للخرطوم بأنه على استعداد لتنقية الأجواء بين الشمال والجنوب وذلك لإعطاء المركز الانطباع على أنه قادر على لعب هذا الدور الذي يعتقد بأن الخرطوم بحاجة ماسة إليه. الحكم الذاتي ويعزز النقطة أعلاه حاجة عقار الشديدة وحماسه للحكم الذاتي، إذ أن تمديد فترة المشورة الشعبية من شأنه أن يتيح قدراً مناسباً من الوقت لتحقيق هدف عقار وهو «الحكم الذاتي» لولاية النيل الأزرق وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ظل وجود أية توترات خاصة وأن المؤتمر الوطني يعتبر ذلك المطلب خروجاً صريحاً على اتفاقية نيفاشا. شرعية عقار ثمة سيناريو ثالث يمكن الإشارة إليه ولو عرضاً وهو أنه يمكن تفسير اللغة التصالحية لدى عقار على أنها استجابة لتهديدات بعض قادة المؤتمر الوطني الذين رهنوا شرعية استمرار حكم الرجل في النيل الأزرق بالابتعاد عن «مخططات» الحركة الشعبية واستمرار دعمها. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 6/6/2011م