ولاية النيل الأزرق من الولايات الطرفية التي تقع بين خطي طول 33.8 و35.8 وعرض 30.9 و34.12، تحدها من الشرق والجنوب الشرقي دولة إثيوبيا، ومن الجنوب والجنوب الشرقي ولاية أعالي النيل، ومن الشمال والشمال الغربي ولاية سنار، وبها خمس معتمديات؛ «الدمازين الروصيرص الكرمك قيسان باو». وتعتبر الدمازين حاضرة الولاية بمزيج متفرد من كل قبائل السودان، وتتمثل أهميتها في خزان الروصيرص. يتكون النسيج الاجتماعي للولاية من مجموعة من القبائل تضم أكثر من أربعين قبيلة، ونظراً لهذا «الحوار» القبلي والتباين العرقي فقد قامت عدد من النظارات التي تتكون من (الفونج الأنقسنا فازغلي البكر قلي). يمتهن سكان الولاية الزراعة والرعي كحرف أساسية، حيث تبلغ الثروة الحيوانية بها حوالي 6.201 مليون رأس، ومساحتها 45.844 كم2، ويصل عدد سكانها في تقديرات عام 2000م إلى 600 ألف نسمة. اتفاقية السلام الشامل نصت على فض النزاع في ولايتي كردفان الجنوبية والنيل الأزرق، وسيتم تمثيل كل الولايتين على المستوى الوطني بالنسبة والتناسب مع حجم سكانهما، وعلى مستوى الولاية شكل حزب المؤتمر الوطني نسبة (55%)، والحركة الشعبية لتحرير السودان نسبة (45%) من السلطة التنفيذية والتشريعية للولاية، وفي نص قانون المشورة الشعبية لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويقصد بالمشورة أنها حق ديمقراطي وآلية لتأكيد وجهة نظر شعبي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتحدد المشورة النظام الإداري الدائم للولايتين اللتين تخضعان حالياً لإدارتين مؤقتتين خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي بإجراء انتخابات عامة وهما الولايتان المتاخمتان للجنوب. الولاية شهدت في الأيام الماضية، استفتاء حول موضوع المشورة الشعبية حتى يحدد مواطنوها طريقة الحكم، وبحسب ما قيل نشب استقطاب حاد بين شريكي الحكم للمواطنين، حيث أراد كل طرف ترجيح كفة خياره، فالحركة الشعبية تبنت، كما هو معروف، خيار الحكم الذاتي، فيما تبنى المؤتمر الوطني خيار أن يتوافق الناس على طريقة لحكم ولايتهم، بعيداً عن الحكم الذاتي، وتصاعد الصراع وخرج من دهاليز طاولة الشريكين إلى العامة، حينما قطع نائب الرئيس؛ علي عثمان، زيارة في الفترة الماضية قام بها لولاية النيل الأزرق، دون أن يخاطب جمهورها الذي احتشد أو حُشد، لا ندري في استاد الولاية، وأعقب ذلك حوار لوالي الولاية؛ مالك عقار خص به «أجراس الحرية»، ألمح فيه إلى تمسكهم بالطريقة التي سيحكمون بها النيل الأزرق، في إشارة إلى تنفيذ الحكم الذاتي ثم التفكير مستقبلاً في خيارات أخرى، أو هكذا فهم، ممن اطلعوا على هذا الحوار. أما المتابعون للمشهد فأصبحوا يجزمون بأن النيل الأزرق، وربما جنوب كردفان، ستكونان القشة التي ستقصم ظهر البعير، بينما اعتقد آخرون أنه ما زالت هناك فرص للحل، طالما أن الولاية تضم قبائل وأعراقاً مختلفة؟ المراقبون من جهتهم كان لهم رأي آخر.. الحركة الشعبية تريد الضغط على المؤتمر الوطني: ففي حديثه ل«الأهرام اليوم»، قال مدير جامعة النيلين؛ د. حسن الساعوري، إن القوى السياسية في النيل الأزرق تقريباً اتفقت على خط عام يطالبون فيه بمجهودات أكثر في تنمية النيل الأزرق وعدم الاختلاف، وذلك لمصلحة الولاية، وكان ذلك قبل (4 أو 5) أشهر، اتفقوا فيه على القول إن الولاية محتاجة لأكثر مما أخذت خلال المشورة الشعبية، ولما جاء وقت التنفيذ، الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، اختلفت مع المؤتمر الوطني وتكلمت عن حكم ذاتي، أي؛ قسمة السلطة«يعني هم محتاجون لسلطات أكثر من التي منحت لهم بإعطائهم حكماً ذاتياً أكثر من النظام الفيدرالي». والفهم السياسي العام أنهم يطالبون بشبه استقلال عن السودان، فالحكم الذاتي أقل من الحكم الفيدرالي، ويأتي بتفويض من السلطة المركزية، والحكم الفيدرالي دستورياً يأتي بتفويض من جهات أعلى من السلطة المركزية. ومن خلال الموضوع يبدو أن الحركة تريد أن تضغط على المؤتمر الوطني حتى يتنازل عن أبيي أو جنوب كردفان أو لاية النيل الأزرق. الصراع سيمتد والنيل الأزرق خط أحمر: ومن جانبه قال د. إبراهيم ميرغني: إن القرار ينتمي للحركة الشعبية بعد انفصال جنوب السودان، الباقي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهم يريدون أن يكون هناك جسم شمالي للحركة في الشمال، ومالك عقار في صراع نفسي في النيل الأزرق بسبب الصراع حول الولاية، السكان الأصليون للنيل الأزرق مثل الأنقسنا والعناصر الوافدة الأخرى مثل الفلاتة، استطاعت أن تستحوذ على الثروة في المنطقة وكانت سبباً رئيسياً لانضمام عقار للحركة الشعبية، وبدوره استطاع أن يستفيد من ثقل الحركة الشعبية ووجد مكانه هناك. وأصبح الحديث عن أن المشورة الشعبية ترقى لمستوى حق تقرير المصير، لكن الحكومة تسعى إلى تقليل ثقل الآخرين، ففي الانتخابات كان مرشح المؤتمر الوطني هو الفائز إلا أن الحركة الشعبية قالت إن النيل الأزرق خط أحمر، فجاءوا بمالك عقار والياً منتخباً. والحاصل في ولاية النيل الأزرق جزء من صراع في المنطقة ككل، فالأمور يبدو أنها سوف تأخذ نفس المنحى، فالحركة الشعبية ستصر على حكم المنطقة، مهما حصل، والصراع سيمتد في المنطقة، ما لم ترجح الحكومة خيار مالك عقار، مثل ما حصل في الانتخابات، والآن يعاد نفس السيناريو «يعني» النيل الأزرق لا يحكمها إلا السكان الأصليون. النماذج العالمية للمشورة الشعبية لم ترد في الاتفاقية: أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين؛ د. أسامة علي زين العابدين، قال: إن ما يحصل في المنطقة ويتعلق بالمشورة الشعبية هو ما نصت عليه اتفاقية نيفاشا، وهي استشارة المواطنين، الاتفاقية حققت إنجازات منها المشورة الشعبية، وإذا أقروا بعدم وجود إنجازات فعليهم تحديد الإخفاقات. يدور الآن حديث عن الحكم الذاتي وهذا لم يرد في الاتفاقية ولا إشارة له، فالمشورة يمكن أن تكون حول الدستور ويمكن أن تكون من أجل الحكم الذاتي، لكن ناس مالك عقار أخذوا نماذج عالمية من المشورة الشعبية يريدون إسقاطها في ولاية النيل الأزرق وفي رأيي هذا غير ممكن. هنالك إجراءات تتخذ وآليات، وفي تقديري هي لتعلية السقف حتى تتنازل الحكومة إلى أكبر قدر ممكن وتفرض الحركة الشعبية رأيها في ما يختص بالحكم الذاتي الذي لم تنص عليه الاتفاقية. فالحاصل في ولاية النيل الأزرق يحتاج فقط لعمل سياسي لأنها منطقة تماذج ثقافي وعرقي وبها حركة حاملة للسلاح وتضم الكثير من الجنوبيين وهي جزء وامتداد لجنوب السودان، فإذا تعامل الناس بحكمة كبيرة وفق قراءات معينة فيمكن أن تكون المشورة الشعبية إيجابية، ولكن إذا تعاملوا معها بالسلاح والقوى فسوف تؤدي إلى احتكاكات ومشاكل في الولاية والحكومة المركزية ستكون مسؤولة عنها وتتحمل نتائجها. شرعية عقار.. تحكم بالقرارات: من جانبه قال رئيس المؤتمر الوطني بولاية النيل الأزرق؛ عبدالرحمن أبو مدين، إن العلاقة ما بين المركز ومالك عقار، كوال منتخب أو رئيس حركة شعبية، يحكمها الدستور والاتفاقية والقوانين واللوائح، باعتبار أن هنالك قوانين تضم البروتكولات العسكرية وتقسيم الثروة والسلطة، وأيضاً المشورة الشعبية، فمالك عقار بصفته والي الولاية وبصفته حركة شعبية لا بد أن تكون قراراته مقننة، لأن أي تفلتات يسأل عنها الطرف الثاني، ويتوقف مستقبل الولاية على الاتفاق، ولكي يحصل اتفاق فعلي لا بد من إبعاد القوات الخاصة بالحركة الشعبية، ومراجعة قوانين الخدمة المدنية ولا بد من إيجاد بدائل للتنمية ومصادر لتمويل المناشط بدون الاعتماد على المركز. هنالك مسائل دستورية وقوانين حول شرعية مالك تحكم بالقرارات. المشورة الشعبية الآن في المرحلة الأولى في أخذ الرأي وتمت بنجاح، حيث شارك أكثر من 70 ألفاً بدلاً من 40 ألف شخص، العدد الذي كان متوقعاً، والآن نريد أن نعرف ماذا يريد إنسان الولاية؟ المرحلة الثانية وهي أسهل من المرحلة الفائتة والمتوقع في ظرف 15 يوماً تنتهي مسألة المشورة الشعبية بسلام.