من المؤكد أن وجود أي عناصر عسكرية أو مليشيات تحمل مسمي الجيش الشعبي في شمال السودان يتصادم مباشرة مع الدستور الانتقالي السوداني سنة 2005, وكافة القوانين السودانية, بل وحتي القانون الدولي نفسه خاصة عقب نشؤ الدولة الجنوبيةالجديدة رسمياً في التاسع من يوليو 2011 وانقضاء الفترة الانتقالية. فالجيش الشعبي – وفقاً لتعريف اتفاقية السلام والملاحق الواردة فيها جزء من الحركة الشعبية, وهو ذراعها العسكري إذا شئنا الدقة وقد اعترفت به الحكومة السودانية في سياق إجراءات الترتيبات الأمنية والتي فرضت إجراء عمليات دمج وتسريح وقوات مشتركة للقيام بمهام محددة متفق عليها شمالاً أو جنوباً. بل ان بند الترتيبات الأمنية نص صراحة – دون لبس أوغموض- بضرورة انسحاب قوات كل طرف الي الإقليم الذي يتبع له في فترة زمنية لا تتجاوز العامين من بداية الفترة الانتقالية بحيث تنسحب عناصر الجيش الشعبي بجنوب حدود 1956 وتنسحب القوات المسلحة شمال حدود 1956. الجيش السوداني نفذ ما يليه من التزام في هذا الصدد وسحب كافة عناصره شمال 1956, ولكن الواقع يشير الي وجود عناصر من الجيش الشعبي في كل من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. العقيد فيليب أقوير الناطق باسم الجيش الشعبي, قال ان القوات الموجودة في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق (لا تتبع للجيش الشعبي) في الجنوب وبرر ذلك بأن العناصر المكونة لهذه الجيوش من أبناء المنطقة – جنوب كردفان والنيل الأزرق – وليسوا من أبناء الجنوب ومن ثم فلا مكان لهم في الجيش الشعبي بالجنوب بعد انفصال الجنوب. اتفاقية نيفاشا 2005 حصرت قوات الطرفين في الجيش الشعبي جنوباً والقوات المسلحة شمالاً ولا ثالث لها. ولعلنا الآن لا نستطيع أن نتصور وجود عناصر من الجيش السوداني – تحت أي ظرف- في الجنوب. إذن وينص ما قاله الناطق باسم الجيش الشعبي فان العناصر الموجودة في جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تمت لهم بصلة ولو كانت لهم بهم صلة لسحبوهم جنوباً. وبناء علي ذلك فان القوات المسماه جيشاً شعبياً في الولايتين- بهذه المثابة- هي قوات غير شرعية تبعاً لعدم مشروعية وجود قوات خارج إطار الجيش الشعبي التابع للجنوب والقوات المسلحة التابعة للشمال وخارج منظومة عمليات الدمج والتسريح التي جرت وفق بعد الترتيبات الأمنية وخارج منظومة القوات المشتركة. ومن الطبيعي- إزاء ذلك- أن تقوم الحكومة السودانية سواء الآن أو بحلول التاسع من يوليو بنزع سلاح هذه القوات لأنها غير شرعية لا يعترف بها الجيش الشعبي في الجنوب ومن ثم يلحقها بقواته ولا تعترف بها القوات المسلحة لأنها تسمي نفسها جيشاً شعبياً والجيش الشعبي لم يعدله من مقام في الشمال. ان حسم مسألة عدم مشروعية الجيش الشعبي في الشمال ينبغي أن يأخذ الأولوية- من الناحية الأمنية – بالنسبة للحكومة السودانية في الشمال ولعل ادعاء الحركة الشعبية بأنها (حركة جنوبية) ومن ثم هي الآن دولة لا حاجة لها لمن هم شعبية (من الشمال) أمر يخص الحركة وحدها ولا يعني سواها.