القدر الكافي من العظات والعبر السياسية الذي ظهر من جراء الحرب الشمالية الجنوبية الطويلة والذي استفادت منه – بكامله – الحكومة السودانية أيما استفادة لم يتوفر منه ولو نزراً يسيراً لدي قادة الحركات الدرافورية المسلحة للاستفادة منه في إدارة أزمة إقليمهم بزكاء حتى يتجنبوا مزالق الفشل الذي بات شبحاً يطاردهم. العظات والدروس المستفادة من حرب الجنوب تجسدت في عدم المراهنة كلية على العامل الأجنبي فهو حرب على الطرفين وعدو لكليهما وان تظاهر بأنه صديق وحليف لطرف بعينه، كما أن الحلول الوطنية – حتى ولو كانت مريرة أو ظالمة – أقرب إلى الاستدامة والاستقرار من سواها. إضافة إلى أن قضية تقسيم سلطة وثروة أو الاقتصار فقط على التفاوض مع حملة السلاح أو منح حق تقرير المصير، كل هذه لم يعد لها من وجود وقد وعت الحكومة الدرس بشانها جيداً وكان هذا واضحاً في إدارتها لملف أزمة دارفور مؤخراً حين دعت (أصحاب المصلحة الحقيقيين) إلى الدوحة ووضعت خطوطاً واضحة للحل وشرعت في إدارة الأزمة من (داخل دارفور). الحكومة استفادت من مثالب نيفاشا 2005م، وأدركت الا مجال مرة أخري لدخول ذات اللعبة مع آخرين فقضية جنوب السودان ربما كانت ذات خصوصية ولها ظروفها الخاصة. ولهذا فان الطرف الذي لم يتعظ بالدرس بعد في حاجة للعظة الآن وقبل فوات الأوان. فالقادة الدرافوريين الذين يراهنون الآن على (نيفاشا دارفورية) هم دون شك واهمون وقد شطح الخيال السياسي بهم بعيداً جداً. ومن المؤكد أن الإرادة التي توفرت للحكومة السودانية لإدارة ملف أزمات دارفور والجنوب والشرق في وقت واحد. سوف تتضاعف كثيراً حين يتم طي ملف الجنوب قريباً في زل انطواء ملف الشرق أصلاً. ويخطئ القادة الدارفوريين خطأً بائناً حين يراهنون على أن ما يجري الآن في جنوب كردفان وابيي قد يجلب قوات دولية تحت الفصل السابع يتمكنون (تحت مظلتها) من الحصول على ما يشتهون. فالحكومة السودانية وفقاً لمتابعاتنا الآن، تعمل بمهارة شديدة على تجاوز أزمة جنوب كردفان واستطاعت أن تستفيد لأقصي حد من التباين الواضح بين مكونات الحركة الشعبية بشان هذا الملف وباستطاعتها تسوية الأمر دون الحاجة إلى قرارات من مجلس الأمن أو تهديدات من الولاياتالمتحدة. أن شدة تفاقم الأزمة السودانية هي في الواقع ساعة المخاض الحقيقية لسودان جديد معافى عقدت الحكومة العزم على إدارته وفقاً لنهج ديمقراطي لا مجال للنكوص عنه حيث لم يعد بالإمكان – من جديد – منح سلطات لهذا المتمرد أو ذاك او اقتسام ثروة مع هذا المتمرد او ذاك ليصبح السودان ملفاً دائم الحضور في مناضد وردهات المجتمع الدولي إلى الأبد.