ما من شك أن التقدم الكبير الذي أمكن احرازه الاسبوع الفائت بشأن حل المشكل المزمن في اقليم السودان الغربي في دارفور يتوافق الأطراف علي الاطار العام للتفاوض وتعميق حسن النية من الطرفين بالعفو عن المحكومين من منسوبي العدل والمساواه واطلاق دفعة منهم (30%)، والدخول في مرحلة التفاصيل، لا شك أن هذا التقدم الكبير هو بمثابة قوة دفع سياسية هائلة للعملية السلمية الجارية في السودان والاستحقاق الانتخابي الوشيك، اذ أن الكثير من المراقبين وبعض القوي السياسية السودانية المعارضة وقوي دولية واقليمية كانت والي عهد قريب تراهن علي بقاء أزمة دارفور بلا حل، الي حين حلول أجل الاستحقاق الانتخابي ومن ثم تصبح موضعا للطعن في نتيجة الاستحقاق الانتخابي ، أو مدخلاً لعدم الاعتراف بالنتيجة خاصة اذا كان الرابح الاكبر فيها هو المؤتمر الوطني ذلك أن آفة السودان السياسية تكمن في شخصنة القضايا- اذا جاز التعبير- بمعني ربط هذا الحزب أو ذاك بأزمات وطنية تحتاج لتضافر الجهود وتقديم الحلول بدلاً من تأجيجها وجعلها هي محور الموضوع كله. وما من شك أن أحداً ليس من حقه أن يدعي أن التوصل الي اتفاق سلام في دارفور وانهاء الازمة يصب في مصلحته الخاصة، اذ أن الامر هنا مرتبط بالمصلحة الوطنية العليا للبلاد وان كان هناك من اشادة مستحقة فان المؤتمر الوطني ومكونات حكومة الوحدة الوطنية والجارة تشاد والجماهيرية اللبيبية ودوله قطر وأيضاً واشنطن، كل منهم أسهم بقدر أو باخر في انجاح العملية ولهذا فان النجاح ينسب لهؤلاء جميعاً، غير أن هذا لن يحول دون أن يستفيد المتنافسون السياسيين من هذا الحدث الهام، اذ أن مجرد التوصل الي اتفاق سلام في دارفور لا يعني بالضرورة انطواء الصفحه أو ركن الملف في زاوية التاريخ، فهناك تحديات كبري تنتظر السودان كله، ويقع علي عاتق الحكومة المنتخبة المرتقبة عبأ كبير سواء في استدامة هذا السلام والمحافظة عليه والعمل علي ترسيخه بسرعة وبقوة للتخلص (تدريجيا) من القوات الموجودة في الاقليم القادمة لحفظ السلام (اليوناميد) ولابلاء الجانب الانساني – وهذا هو الاهم- أهمية قصوي تسمح للناخبين واللاجئين بتصفية المعسكرات والعودة الي قراهم، ومن ثم اعادة اعمار الاقليم وتنميته ولعل هذا ما يدعونا للقول، ان الجهد المطلوب أمام الحكومة القادمة عقب الاستحقاق الانتخابي هو أصعب وأكبر من الجهد الذي تم لأن عملية السلام بطبيعة الحال أصعب من الحرب- كما أن الامر يقتضي أن تولي القوي الدولية- خاصة الدول المانحة- أمر سلام دارفور اهتماماً خاصاً فدارفور تختلف جوهرياً عن جنوب السودان، اذ ليس هنالك احتمال لانفصال كما ليس هنالك وجود خالص لقوة واحدة مثل الحركة الشعبية في الجنوب تستأثر بالاموال أو تفسد فيها وتحول دون قيام مشروعات تنموية، فالاقليم مشاكله واضحه والحكومة السودانية موجودة فيه وعملت ما في وسعها من خدمات وهناك منظمات وطنية تعمل ومؤخراً دخلت الجامعة العربية، وهكذا فان الامر في مجمله كسب لكافة السودانيين وليس مجالاً للمزايدات السياسية بسبب الاستحقاق الانتخابي.