نحن على قناعة أن أمريكا لن تطبع علاقاتها معنا مهما فعلنا ومهما وقعنا من اتفاقيات وإذا انتهت كل المشكلات في السودان فسيخلقون مشكلات جديدة".. هكذا قطع رئيس الجمهورية، عمر البشير، برغم الأحاديث المتواترة من المسئولين الأمريكيين عن الشروع في خطوات وإجراءات لتطبيع العلاقات مع السودان، ويرى محللون أن الولاياتالمتحدة بدلاً من أن تمضي في خطوات عملية تتبع بها تصريحات مسئوليها تكتفي دائماً بإطلاق الوعود وتنتظر أي تطورات جديدة بالبلاد لإدراجها كشروط جديدة للتطبيع مع السودان، وذلك ما قالت به واشنطن مؤخراً في أعقاب الأحداث التي وقعت بجنوب كردفان وأبيي. وعلى إثر ذلك، استبعد الرئيس البشير أي تطبيع في العلاقات بين السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية، وقال في تصريحات لوكالة الأنباء الصينية الرسمية أمس الأول، "نحن على قناعة أن أمريكا لن تطبع علاقاتها معنا مهما فعلنا ومهما وقعنا من اتفاقيات وإذا انتهت كل المشكلات في السودان فسيخلقون مشكلات جديدة"، واتهم البشير جهات خارجية، على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بتضخيم خلافات تقليدية محدودة في دارفور، وقال "وجد أعداء البلاد في قضية دارفور فرصة مناسبة لإيذاء السودان والنيل منه". أخرها تصريحات المسئولين الأمريكيين بشأن العلاقات مع السودان،تلك التي أطلقها مبعوث الرئيس باراك أوباما إلى السودان، برنستون ليمان، في حديث ل"الشرق الأوسط" نشر أمس، عندما جدد التأكيد على رغبة واشنطن في تطبيع العلاقات مع السودان، على الرغم من المشكلات بينهما خلال العقود الماضية، وأضاف ليمان "نريد حقاً تطبيع العلاقات، نريد أن يتم إطفاء ديونهم ونريدهم أن يحصلوا على التمويل الدولي، ولكن كي يتحقق ذلك يجب أن يتحقق اتفاق السلام الشامل، يجب معالجة قضية دارفور ونأمل أن يعوا بأننا لا نحاول إضعافهم، بل تطبيع العلاقات معهم لصالحهم"، وتابع قائلاً "هناك البعض في الخرطوم مقتنعون بأننا لا نرد تطبيق التطبيع، وأننا نثير العراقيل الجديدة، ولكن إذا نظرتم إلى خارطة الطريق التي تقدمنا بها فستجدون أنه ليس هناك جديد فيما نقوله، قضية جنوب كردفان جزء من اتفاق السلام الشامل، فهناك تفاهم في الاتفاق على أن جنوب كردفان والنيل الأزرق ستكون هناك عملية تشاور شعبية، والأخذ في عين الاعتبار المظالم السياسية للشعوب هناك، بما في ذلك تطوير فكرة حول كيفية نزع السلاح من جيش تحرير شعب السودان". ومن قبل أعلنت الإدارة الأمريكية أنها وضعت جدولاً زمنياً لرفع العقوبات عن السودان، خطوة بعد خطوة، إنفاذاً لتعهداتها ضمن جملة حوافز ستقدم إلى الخرطوم في حال التزمت بتنفيذ اتفاقية السلام وإجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في موعده والاعتراف بنتيجته، وبعد أن أوفت الخرطوم بكل تلك المطلوبات، عادت الإدارة الأمريكية لتشترط حل أزمة دارفور ومن بعد أزمة أبيي وأخيراً مسألة جنوب كردفان، لتنفيذ تعهداتها السابقة وصولاً إلى تطبيع العلاقة مع السودان، ليس ذلك فحسب بل كشفت عقب انتهاء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب عن قرار برفع العقوبات الاقتصادية عن دولة جنوب السودان المقرر إعلانها رسمياً في التاسع من يوليو المقبل، مع الإبقاء على استمرار العقوبات على شمال السودان، وأعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، كاثرين فإن دي فيت، في مقابلة مع قناة "الشروق" في مايو الماضي، أن واشنطن شرعت عملياً في رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على الخرطوم، وقالت: إن واشنطن شعرت فعلياً بتحول كبير في سياسات الخرطوم تجاه عدد من القضايا التي تمثل محور الاهتمام وعلاقات البلدين. وأضافت "الولاياتالمتحدة شرعت في إجراءات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مثلما تعهدت بعد أن شعرت بتحول الموقف السوداني وذلك بموجب القانون الأمريكي واعترافاً بتعاون الحكومة السودانية في عددِ من القضايا من بينها الاستفتاء ولكن هناك المزيد مطلوب عمله من حكومة السودان، على رأس ذلك حل قضيتي دارفور وأبيي وتوفير تأكيدات على عدم دعم الإرهاب الدولي مستقبلاً وتنفيذ التعهدات السودانية حيال اتفاقية السلام الشامل". وأشارت إلى أن عملية رفع العقوبات تسير حسب خارطة طريق والإدارة الأمريكية تعمل على أعلى المستويات بداية من الرئيس باراك أوباما والوزيرة هيلاري كلينتون والسفيرة سوزان رايس في الأممالمتحدة للوصول إلى وضع أفضل بالسودان، وأضافت "جميعهم يولون اهتماماً كبيراً للسودان وهناك اجتماع أسبوعي في البيت الأبيض عن السودان". وعلى الرغم من أن الولاياتالمتحدة ألحقت السودان منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بقائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرضت عليه عقوبات اقتصادية منذ منتصف ذلك العقد، وسحب سفيرها لدى الخرطوم عام 1998م، تعتبر واشنطن السودان من الدول التي تأتي على رأس قائمة الدول الأكثر أهمية بالنسبة إليها، وأكد مبعوثها برينستون ليمان، في تصريحات أمس، اهتمام بلاده بما يجري في السودان وأوضح أن هناك أسباباً إستراتيجية وأخلاقية لهذا الاهتمام ، مؤكداً أن الرئيس أوباما يأخذ السودان على محمل الجد ويهتم شخصياً به كثيراً، وكشفت كاثرين،أن إدارة الرئيس أوباما، أفردت اجتماعا أسبوعياً يعقد بالبيت الأبيض حول الشأن السوداني، باعتبار أن السودان، أهم دولة إفريقية. لكن حكومة الخرطوم، لا ترى في أحاديث المسئولين الأمريكيين غير وعود مكرورة ومناورات سياسية، في إطار سياسة واشنطن المعلنة "الجزرة والعصا"، خاصة فيما يتعلق بالديون ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع الحظر الاقتصادي المفروض على البلاد منذ عقود، وترفض الحكومة ربط الخطوات الأمريكية بملفات أخرى، وتبرر ذلك بأن السودان استوفي المطلوبات التي تؤهله لنيل تلك المكافأة، وهو ما أكده وزير المالية، علي محمود، لدي مباحثاته مع وفد الخزانة الأمريكي مؤخراً، عندما أبلغه بأن السودان استوفى كافة الاشتراطات الفنية التي تؤهله لمعالجة ديونه. ومع أن الإدارة الأمريكية جددت تعهدها مرات بالمساعدة في استقرار السودان وإعفاء ديونه الخارجية، عبر آلياتها المختلفة، ومساندة المجتمع الدولي، إلا أن تنفيذ تلك التعهدات يظل بحسب مراقبين يبقى رهيناً بالعديد من الاشتراطات الأمريكية وإجراءات متعددة ومتطاولة من قبل الكنغرس، برغم التفاؤل الذي أبداه وزير الخارجية علي كرتي، في فبراير الماضي، عندما تحدث عن تطور إيجابي في علاقة الخرطوم مع واشنطن، وكشفت عن شروع واشنطن في إجراءات لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والإسهام في تخفيف ديونه، وقال الوزير في بيان أمام البرلمان، إن علاقات السودان بأمريكا تشهد تطوراً إيجابياً، وإن الجهات الأمريكية المختصة شرعت في إجراءات رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ووعدت بالمضي قدماً في رفع العقوبات الاقتصادية، والإسهام في تخفيف ديون السودان الخارجية بالتعاون مع المؤسسات الدولية، واعتبر ذلك يتيح تعاوناً أكبر في المرحلة المقبلة بين الدولتين ويسهم في بناء علاقات متكافئة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 27/6/2011م