لنكون موضوعيين، مستصحبين معنا مقتضيات التحول الديمقراطي وضرورات ترسيخ الديمقراطية فى سودان ما بعد التاسع من يوليو عقب الإعلان الرسمي عن قيام دولة الجنوب؛ فان أحداً لا يستطيع ولا يجوز له غمط أى مجموعة سياسة منظمة حقها فى العمل والنشاط السياسي العام فى إطار ما أقرّه الدستور الانتقالي 2005م الذى سيظل هو المرجع الحاكم الى حين استصدار دستور جديد متوافق عليه بين كافة النخب السودانية. الحركة الشعبية – سواء بهذا المسمي أو تحت أى مسمي آخر تملك الحق فى تسجيل نفسها وهذه هى النقطة المحورية فى الموضوع – كحزب سياسي له الحق – عقب التسجيل – فى ممارسة نشاطه السياسي بوجه عام . هذه الفرضية ليست محل جدال ؛ المشكلة الآن والتى بدت كخطأ شائع كاد ان يصبح قاعدة عامة، ان الحركة فى الشمال اعتبرت نفسها (موجودة سياسياً وقانونياً) من قبل وليست فى حاجة الى إجراء قانوني لتأكيد وجودها ! و لعل الوطني – ربا مدفوعاً بحسن النية – تعامل معها على هذا الأساس ووقع معها الاتفاق الإطاري المعروف والذي لا يزال مثار جدل بينهما – ان قضية وجود الحركة الشعبية – كحزب سوداني فى الشمال – هى قضية قانون بأكثر مما هي أى شيء آخر . صحيح ان مجلس شئون الأحزاب لديه مسجل تحت مسمي الحركة الشعبية، وصحيح ايضاً ان ذلك التسجيل كان صحيحاً بما توفر من شروط قررها القانون ، ولكن ما يقدح الآن فى شهادة تسجيل الحركة هو أنها أصبحت سلطة حاكمة فى دولة أجنبية ، بمعني أوضح، فان الحركة الشعبية الحزب المسجل بموجب القانون فى السوداني، فقدت - كحزب- الجنسية السودانية وأصبحت تحمل جنسية أجنبية منذ تاريخ التاسع من يوليو 2011 ، ومن ثم فهي –قانوناً وحكماً – لا وجود لها الآن فى السجل الحزبي السوداني . وإذا قال قائل – ولعل هذه هى حجة المدافعين عن وجود الحركة فى الشمال- ان قطاع الشمال هو جزء أصيل منها وهو باق فى الشمال ومن ثم فهو (يحل محلها) ، فالمفارقة هنا ان قطاع الشمال رغم وجوده وتشاركه للحركة الأم فى عضويتها إلاّ ان مما يقف حجر عثرة فى طريقه – وهذا مربط الفرس – أن القطاع مصحوب بمليشيا مسلحة أقرّ صراحة هو أنها مليشيا تخصه فى ولايتيّ النيل الازرق و جنوب كردفان ، والأحزاب السياسية يمتنع عليها قانوناً إمتلاك المليشيا المسلحة ، وعلى ذلك فان اقل ما هو مطلوب من قطاع الشمال- فى حده الأدنى – هو (تصحيح) وجوده السياسي طوعاً وبمبادرة منه بحل المليشيا هذه وتسليم سلاحها الى السلطة المختصة ومن ثم إعادة تسجيل الحزب من جديد والإقرار – كما هو متبع – بالرغبة فى العمل السياسي السلمي . إذا لم يحدث ذلك ؛ فان قطاع الشمال لن يكتسب شرعية قانونية حتى ولو وقعت معه السلطة الحاكمة عشرات الاتفاقيات ، كما ان الوطني و تسهيلاً على القطاع – إذا رغب – بإمكانه عقد اتفاقات ترتيبات أمنية مجردة فقط خالية من اى بنود سياسية مع القطاع بغرض تسريح القوات وإعادة دمجها ، وتسجيل الحزب بعد ذلك ومن ثم النظر فى ما يمكن عقده من اتفاقات . بدون ذلك ، فان الامر يؤسس لسوابق خطيرة للغاية من شأنها نهش لحم الممارسة السياسية فى المناخ الديمقراطي وإصابته فى قلبه !