يمكن الجزم بأن تهديد حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة بمهاجمة الخرطوم - للمرة الثانية - فى أعقاب توقيع الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة لاتفاق الدوحة منتصف يوليو الجاري هو فى حد ذاته -اى التهديد- بمثابة أثر من أكبر الآثار السالبة التي ألقت بظلالها الكثيفة على حركة الدكتور خليل وبقية الحركات المسلحة الاخري (مناوي وعبد الواحد) . فالاتفاق بصفة عامة - بكل بنوده وفصوله وآلياته - يصل الى درجة الامتياز ويخاطب بعمق قضايا دارفور ، بل و لبي كافة مطالب هذه الحركات. وحركة التحرير والعدالة التى يقودها الدكتور التجاني السيسي تمتاز عن الحركات المسلحة هذه بأنها حركة ذات أبعاد سياسية ، ولها صلة جماهيرية وثيقة بأهل دارفور والأهم من ذلك – وهذا جوهر الموضوع – ان حركة التحرير اقرب وجدانياً لأهل دارفور لأنها تضم كافة ألوان الطيف الإثني والسياسي من فور و مساليت وزغاوة و قبائل أخري ، وذلك نابع من ان التحرير والعدالة هى نتاج(17) أو(20) حركة مسلحة اندمجت واندغمت فى مسمي التحرير والعدالة. هذه المعطيات من الطبيعي ان توجد هواجساً جارحة وغائرة فى نفوس القادة الدارفوريين الذين ما فتئوا يستهينون بحركة التحرير والعدالة ويبخسونها أشياءها ، وفى الوقت نفسه يرفعون سقوف مطالبهم بحيث بدا الامر أنه وكلما استجاب الطرف الحكومي لطلب ، جادت قرائحهم بمطالب اعلي فى مسلك من الواضح أنه يرمي لإنهاك الذهن الحكومي وإرباكه بغية نيل جائزة إسقاط النظام. لقد بدا واضحاً الآن ان الحركات المسلحة الثلاث التى نأت بنفسها عن الاتفاق باتت تخشي على نفسها من (الفتنة) فأهل دارفور خالجهم ارتياح غير مسبوق بالاتفاق ، فهو يوفر لهم تعويضات عامة وفردية و إثنياتهم ممثلة داخل حركة التحرير والعدالة، وسئموا الى حد السأم الحرب والقتال والنهب وحياة المعسكرات، ورأوا كيف أوفت الحكومة السودانية بكل ما تعاقدت عليه مع الحركة الشعبية فى جنوب السودان حتى حصل الجنوب على دولته الخاصة. هذه كلها قللت الى حد بعيد من فرص الحركات الثلاث فى تسويق مطالبها وتسويق نفسها سواء فى دارفور او على المستوي الإقليمي او الدولي ، ولم يتبق لها والحال كذلك سوي تكثيف أنشطتها الحربية على الرغم من ان هذه الأنشطة الحربية هى نفسها باتت محددة للغاية جراء انحسار الدعم اقليمياً ودولياً لدرجة الصفر . من الواضح ان الخيارات ضاقت تماماً أمام هذه الحركات بحيث لم يعد من مفر أمامها سوي الإسراع للحاق بقطار الدوحة والقبول بذات الأطروحات الواردة فيه لأن أي تأخير أو مماحكات سوف تزيد من تمدد حركة التحرير والعدالة و سيطرتها على مجمل الشأن الدارفوري ؛ كما أن العمل المسلح حتى ولو استطاعت تنشيطه وحصلت على معجزات ، فهو فى خاتمة المطاف سيكون على حساب سمعتها السياسية دارفورياً و لن يفيدها من الناحية السياسية مطلقاً .