هذا السؤال بالنسبة للكثيرين يبدو غير مستساغ وذلك جراء خطأ سياسي شائع, مفاده أن حركة التحرير والعدالة التي يتزعمها الدكتور التجاني السياسي والتي كانت – الطرف الوحيد – الذي وقع علي اتفاق الدوحة مؤخراً مجرد حركة واحدة من بين ثلاثة أو أربعة حركات رئيسية هي الحركات المؤثرة في المشهد الدارفوري. والواقع أن حركة التحرير والعدالة هي نتاج لحوالي (17) حركة دارفورية مسلحة توحدت تحت مسمي (التحرير والعدالة) فهي تضم حركات منشقة عن الحركات الرئيسية كما أن أهم ما يميزها – وهذه هي حقيقة وزنها السياسي وقيمتها الكبيرة – أنها تضم غالب ان لم يكن كل طيف درافور الاثني والسياسي ومن هنا تكمن خطورتها علي مستقبل بل ومصير بقية الحركات المسلحة في دارفور. قد يقول قائل ان حركة التحرير والعدالة لا تملك وجوداً عسكرياً في الميدان يوازي وجودها السياسي وهي مقايسة جرت العادة علي إجرائها في شأن الحركات الدارفورية المسلحة لمعرفة حجم كل حركة وأثرها, غير أن الحقيقة أن هذه الحركة اتخذت طابعاً سياسياً يمكن القول أنه يعبر – بمباشرة ووضوح – عن صميم مطالب أهل دارفور وهذا كان واضحاً في بنود الاتفاق خاصة حين حرصت علي إيراد بنود تحول دون وقوع خلافات بين السلطة الانتقالية وولاة الولايات الدارفورية بحيث يصبح دور السلطة الانتقالية دوراً تنسيقياً أكثر من كونه تنفيذياً داخلاً في التسلسل الهرمي الإداري للولايات الدارفورية وهذه نقطة مهمة لأن مستويات الحكم – في مثل هذه الحالات – غالباً ما تصطدم ببعضها وتتعثر وتتعرقل مصالح المواطنين جراء ذلك. يضاف الي ذلك أيضاً أن رئيس الحركة د. التجاني السيسي سياسي عريق وذا خبرة سياسية وتجربه معروفه فقد كان حاكماً للإقليم في فترة ما قبل يونيو 1989 وينحدر من أثنية الفور. أمر آخر يمكن أن نقرأه هنا وهو أن الحركات المسلحة (ميناوي, خليل, عبد الواحد) فقدت عملياً الدعم العسكري والإسناد وقواعد الانطلاق, ففي أحسن الفروض سوف تنطلق من كمبالا وجوبا لتعبر طريق طويل يجعلها تصطدم بقبائل وأعراق ليست علي وئام معها وهو ما قد يكلفها الكثير عسكرياً وسياسياً. الأمر الثالث – وهو مهم للغاية – وهو إذا استطاعت حركة التحرير – ويبدو هذا ممكناً ومتاحاً – إحداث تغيير ملموس ومضي اتفاقها بسلاسة فان هذا سوف يغير الأوضاع في دارفور بحيث يتلاشي صدي الرصاص, ويلتف أهل الإقليم حول التحرير والعدالة وتصبح بقية الحركات المسلحة مجرد قطاع طرق ومجرمي نهب وترويع وهذا بدا واضحا من تهديدات حركة خليل الأخيرة اليائسة بمعاودة هجومها الفاشل علي الخرطوم ذلك الذي كلفها الكثير في العام 2008 ولم تتعافي منه بعد . وهكذا فان هنالك مخاطر علي الحركات المسلحة الرافضة للدوحة إذا لم تغتنم فرصة الأشهر الثلاث الممنوحة لها – كفترة سماح – للانضمام الي الاتفاقية, فهي مهددة سياسياً بتلاشي مستقبلها الي الأبد!