بدأ الصراع مبكراً جداً في دولة جنوب السودان وهي لما تشب بعد عن الطوق ولا تزال في المهد. فإقالة أموم في شكل استقالة والكشف عن مخطط لاغتيال الفريق كير رئيس الدولة، والملاسنات البالغة الحدة والخشونة بين د. لوال دينق وأموم، وأحاديث لصوصية دينق ألور وأموم وضياع أموال – بالمليارات من الدولارات – قال الفريق كير أنه وجدها مكتوبة في مفكرة مهمة من مفكرات زعيم الحركة الراحل قرنق، كلها مؤشرات على صراع يعتبره أكثر المراقبين تفاؤلاً صراعاً طاحناً ربما قضي على الدولة الوليدة وهي في هذا الطور المائي!. الأزمة كما تابعتها (سودان سفاري) هي أن ثوار الأمس لم يكونوا سوى لصوص، إغترفوا من المال ما لا تسع له جيوبهم، وهم يتظاهرون بالطهارة الثورية. ومن المؤكد أن الفريق كير – سواء كان متورطاً كغيره أم لا – فهو يجد صعوبة في قيادة دولة وليدة مثقلة بأعباء فساد مالي طفح وطفا على السطح بحيث استحالت مداراته، والمشكلة هنا لا تقف فقط عند حدود محاولة رئيس الحكومة لتنظيف أسنان حكومته كنوع من الحرص على الطهارة لبناء الدولة. المشكلة أن المانحين والمستثمرين والدول الكبرى التي وقضت داعمة للحركة الشعبة لإقامة دولتها لن تستطيع سكب المال على الجنوب وهناك (أفواه أسماك القرش السياسي مفتوحة) ففي هذه الحالة سوف تصبح أي قطعة نقد تلقي بها الدول المانحة بمثابة (طعام) لأفواه الفاسدين الشرهة، وفي العادة فان الغربيين عموماً يتخوفون من وجود أكلة المال وسط حكومات كهذه لأنهم يعرقلون مصالحها ولا يمكنهم تحقيق أهدافهم في ظل وجود أمثال هؤلاء. الأمر الثاني، أن الفريق كير تفاجأ بالكم الهائل من المشاكل التي عليه أن يجد لها حلولاً سريعة عاجلة، إذ لم يعد هناك شمال فيه حكومة مركزية يلقي عليها باللائمة ويجد له الناس العذر. الجنوب أصبح دولة مسئولة عن إدارة نفسها وهذا يتطلب وجود قادة حقيقيين قادرين على العطاء المتجرد، وقادة الصف الأول أمثال أموم وألور ليس فيهم هذه المواصفات، هم كانوا (رجال مرحلة) وانقضت هذه المرحلة. الأمر الثالث، ذي شقين، شق يتعلق من مخاوف أن يقود بعض هؤلاء اللصوص – بدافع الطموح والطمع – عملاً طائشاً للوثوب على السلطة (مغامرة عسكرية من داخل الحركة نفسها) والفريق كير كرجل استخبارات سابق ربما وصلته (الرائحة) وأما الشق الثاني فهو متعلق بما اذا كان هؤلاء القادة قادرين على بناء دولة بناءً حقيقياً أم أنهم سوف ينخرطون في صراع سواء مع بعضهم أو مع الشمال مما يزيد من أعباء الدولة الوليدة. لقد كان محتماً أن يفقد اللصوص مقاعدهم.