تحليل سياسي رئيسي لعل من مفارقات السياسية وأقدارها الساخرة ان يأتي ميلاد دولة الجنوب والفشل والخلافات الحادة والصراعات الدامية تحيط بالقادة الجنوبيين الذين ما فتئوا يرددون – طوال السنوات الماضية – ان الدولة السودانية فاشلة ، وأنهم يريدون النأي بإقليمهم الجنوبي عن هذه الدولة الفاشلة لينشئوا دولة (مثالية و ناجحة)! لقد كان حقاً من أكثر سخريات القدر ان قيادياً جنوبيا ًمثل باقان أموم ، لم يعرف لسانه وقاموسه السياسية طوال فترة الست سنوات هذه غير شتم الدولة السودانية ووصفها بالفشل باستمرار تبدو صورته السياسية – بالتزامن مع رفع علم الدولة الجنوبية – صورة متهرئة ومهتزة بسبب ان رفقائه فى قيادة الحركة اضطروا لمواجهته (بلصوصيته واختلاساته المالية وفساده) . لم يكن تبادل الاتهامات بين القادة الجنوبيين بالفساد المالي عشية الاحتفال بالدولة الجديدة مجرد مصادفة عابرة أو أزمة محدودة ، فهي انعكاس لواقع الفشل المتجسد فى قادة هم لا يملكون – من الأساس – ضمائراً وطنية حية ولا سلمت منهم الدولة السودانية التي عملوا على عرقلة مسيرتها انتقاماً منها . ان أحداً لا يعجبه ان يفسد للإخوة الجنوبيين فرحتهم بما يسمونه يوم استقلالهم ، ولكن بالمقابل ، فان القدر أبي إلاّ ان يسطر مع تفاصيل الاحتفال ان الفرحة لن تدوم طويلاً ، فالذين يقفون الآن ووقفوا منذ الصباح الباكر من هؤلاء القادة فرحين بما حققوه خصماً على الأمن القومي للدولة السودانية، وخصماً على المورد الاجتماعي السوداني الأشمل هم قادة تعلقت الكثير من الشوائب بملابسهم الزاهية وتدور حولهم الشبهات وكل واحد منهم يمسك (بأوراق) فى مواجهة الآخر ، فبالنسبة لأموم فقد واجه اتهامات من د. لوال دينق كما رأينا تتعلق بسرقة (3) مليون دولار ولم يستطع الدفاع عن نفسه فيها ، ثم فاجأه - بعدها بساعات - قائده الفريق كير باتهامات مماثلة ايضاً لم ينجح اموم فى ردها عن نفسه ، ثم طال الاتهام دينق ألور وهو ايضاً عجز عن الدفاع. قادة بهذه المواصفات الأخلاقية البائسة ، كل همهم السلطة والمال والانتقام من الدولة الأم فى الشمال لا يمكن ان يبنوا بلداً ناجحاً . لقد تنبأت عشرات البحوث والدراسات الصادرة عن جهات خارجية ومعاهد أجنبية بأن الجنوب (مشروع دولة فاشلة) حتى مجموعة الأزمات وحتى منظمة العفو الدولية ، بل الأممالمتحدة نفسها تقرأ بين ثنايا الدولة الوليدة مظاهر فشل واضحة و لعل الأكثر سوءاً ان هنالك الآن - فى الطريق مشوار قاسي وشائك يتصل بهيكلة الدولة، والإحلال و الإبدال ، وقضية الدستور التى أثارت كافة القوى السياسية الجنوبية، هذا مع وجود معارضين مسلحين يستعدون لينشطوا فى هذه المرحلة كأفضل سانحة لهم لحسم أهدافهم . من المؤكد ان إعتبار الجنوب كدولة يمكن اعتباره خطأ ارتكبه أهله والمشكلة ان ثمن الخطأ فادح وليس لهم رصيد الكافي لتغطيته!