ظل د. حسن الترابي -الأمين العام للمؤتمر الشعبي- ومنذ المفاصلة في العام 1999م يجاهر بمواقفه العدائية للنظام الحاكم، وكثيراً ما يعلن عن خططه لإسقاط الحكومة القائمة ويشجع المعارضة للمشاركة في تنفيذها، بل ويحذرهم من التفاوض مع الحكومة للمشاركة فيها. د. الترابي الذي ما زال ممسكاً بخيوط المؤتمر الشعبي بعد «نواياه» تجاه النظام صراحة عبر الفضائيات وأجهزة الإعلام الاخرى، ويؤكد بأن الحزب يريد إسقاط النظام ولكن لم يفصح «يوماً» بأن رغبته هذه سيحققها عبر السلاح أو الوسائل غير السلمية. --- بل كان يؤكد على التغيير عبر المظاهرات والمنشورات والندوات والوسائل الأخرى التي يكفلها له القانون والدستور، وبحسب رؤيته، ومشاركته في تحالف جوبا وتحالف قوى الإجماع لم تكن بعيدة هذه الأهداف وبذات الوسائل السلمية التي يعتبرها حقاً قانونياً، على الرغم من التهم التي تلاحقه بشأن علاقته بتأجيج أزمة دارفور عبر تحريك حركة العدل والمساواة التي تشير بعض التأكيدات بأنها جزء من المؤتمر الشعبي، ومعروف ان العدل والمساواة حركة مسلحة حملت السلاح وكانت لها جولاتها العسكرية في تأزيم الوضع في دارفور. تأكيدات الترابي العمل على إزالة النظام عبر الوسائل السلمية دحضها الإتفاق الذي أبرمه مع علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الاتحادي الأصل ورئيس الجبهة الوطنية العريضة لأجل إسقاط النظام، ومعروف ان علي محمود حسنين هو جزء من جبهة عريضة تقيم في لندن وتعمل على إسقاط النظام الحالي بالوسائل السلمية، فالتحالف الذي أبرمه مع الترابي يشير الى أن الأخير قد غير وجهته ووسيلته السلمية، وما يؤكد هذه الفرضية ملازمة د. علي الحاج القيادي بالشعبي وعضو الجبهة العريضة للترابي منذ أن لامست طائرة الترابي مدرج مطار القاهرة. ولكن السؤال الذي لابد من الإجابة عليه: هل يستطيع هذا التحالف تحقيق هدفه الرامي لإسقاط النظام بالوسائل المسلحة بعد أن فشل في تحقيقه بالوسائل السلمية؟ وكيف يستقيم الأمر؟ ان الحزب الاتحادي الذي لم يمانع في المشاركة في الحكومة العريضة وما زالت مفاوضاته مستمرة مع الحزب الحاكم وأن ذات الحزب يعقد إتفاقاً آخر لإسقاط النظام الذي يتفاوض معه، أم أن الأمر فقط إتفاق بين الترابي وحسنين بصفة شخصية لا يمثل حزبه، كما فعل ذلك حينما شارك في تحالف جوبا، وأعلن الاتحادي ان موقفه ذاك يمثل شخصه فقط. بعض المحللين السياسيين أشاروا الى أن إتفاق الترابي وحسنين لن يفضي لنتائج ذات أثر، فالترابي ظل يعمل لإسقاط النظام منذ اكثر من عقد ولم يصل الى مرماه بينما حسنين ليست لديه القوة أو التنظيم الذي يمكن ان يدعمه ويستند إليه ليسقط النظام. قال د. الطيب زين العابدين السياسي المعروف ل«الرأي العام» إن موقف حسنين مختلف ولا يتوافق مع محمد عثمان الميرغني زعيم الاتحادي، فحسنين يعمل لأجل إزالة النظام عبر ما يسمى بالجبهة العريضة التي تتخذ لندن مقراً لها، فلا يستطيع ان يمثل رأي الحزب الاتحادي الغالب، بينما الميرغني لديه إتصالات بالحكومة، وأبدى استعداده للمشاركة ولا يتحدث عن إسقاط الحكومة، فموقفه قابل للتطور والتحالف والمشاركة، وزاد: وموقف حسنين يتوافق مع الترابي الذي جاهر به صراحة مرات عديدة ولكن لا يملك السند السياسي والتأييد الشعبي وبالتالي فإن تحالف الترابي وحسنين سيكون مصيره كالتحالفات السابقة.. ولكنه عاد وقال: يمكن ان ينجح تحالفهما إذا تطورت الأزمات بالسودان كأزمة دارفور وجنوب كردفان والقضايا العالقة والأزمة الاقتصادية وتصاعد الأسعار وأدت الى ثورات شعبية يمكن ان تستغل الأحزاب الوضع كما حدث في ثورة اكتوبر وانتفاضة أبريل، لأن كل الأحزاب ليست لها القدرة على إسقاط النظام لضعف مواقفها السياسية وبالتالي فإن حسنين سيظل موقفه ضعيفاً ولو احتمى بالاتحادي، بينما الترابي لن يستطيع فعل التغيير الذي عمل لأجله منذ سنوات، وإن إبرم اتفاقاً مع قوى عريضة تعمل لأجل إسقاط النظام من الخارج. وفي ذات الاتجاه تحدث ل«الرأي العام» د. إبراهيم ميرغني استاذ العلوم السياسية بأن حسنين غالباً يتخذ مواقف مختلفة و«شاذة» عن مواقف الحزب الاتحادي وكثيراً ما يصدر الاتحادي بياناً يشير الى أن موقف حسنين لا يمثل الحزب، ولم يستبعد ان يصدر الاتحادي حديثاً بأن التحالف ليس له علاقة بالحزب، خاصة وأن حسنين ظل ينتمي لمجموعة مسلحة تعمل من لندن لإسقاط النظام، بينما الاتحادي لم يناد بإسقاط النظام أو العمل المسلح برغم مواقفه غير الواضحة تجاه المشاركة في الحكومة. ويبدو أن زيارة الترابي للقاهرة اصطاد خلالها عدة عصافير بحجر واحد، فلم يكتف بالتحالف الذي أبرمه مع حسنين نائب الحزب الاتحادي لإسقاط الحكومة بل امتدت لقاءاته بزعيم الحزب محمد عثمان الميرغني، فالأخير قدم له مبادرة لتحقيق الوفاق الوطني ونفى مشاركته في السلطة، ما يعني ان حديثاً مطولاً جرى بينهما حول الأوضاع السياسية بالسودان جعلت الميرغني يدلي بهذا التصريح برغم اللقاءات التي تمت بينه وأعلى قيادات الحكومة حول المشاركة في الحكم. ولكن د. الطيب زين العابدين شكك في الحديث الذي نسب للميرغني لأن التصريح جاء على لسان الترابي من ناحية، ثم ان شخصية الميرغني المعتدلة يصعب ان تدلي برأي قاطع حول المشاركة، وربما اشترط مشاركته في الحكومة بحل القضايا الوطنية وظهر التصريح بالصحف بالشكل الذي يخدم أهداف الشعبي، ولم يستبعد ان يحدث تحالف بين الميرغني والحكومة. ولكن د. إبراهيم ميرغني قال إنه لا يستغرب حديث الميرغني وعدم مشاركته في الحكومة وأرجع ذلك للمواقف الضبابية التي يتسم بها الاتحادي وزعيمه التي كثيراً ما تزعج عضويته وبعض قياداته فهو في الغالب يتخذ موقفاً إيجابياً تجاه المشاركة في الحكومة ثم يعود لينفي ذلك وإن جاء التصريح على لسان زعيم الحزب. وفي إتجاه آخر قلل الوطني من أهمية تحالف الترابي وحسنين وأن مثل هذه التحالفات ليس لها أثر على الواقع السوداني، واعتبر ان مصيره سيكون الفشل كالتحالفات الأخرى. وقال د. ربيع عبدالعاطي القيادي بالمؤتمر الوطني إن الحديث عن تحالفات بين الاحزاب المعارضة أصبح مملاً وممجوجاً لأنه ليس ذا أثر على واقع السودان والساحة السياسية، وزاد: مهما حدثت تحالفات سواء داخل السودان أو خارجه فستكون النتيجة صفرية لا تعني شيئاً، فحسنين ليس له تنظيم أو أتباع وظل يكرر ما قاله سابقاً في حديث ليس له قيمة سواء أطلقه بالقاهرة أو لندن، وواضح انه لم يجد قبولاً بالداخل، واعتبر ان الشعبي الذي ظل تحت إمرته الشخصية يقوده كيفما يريد وجد أنه خارج دائرة الفعل، لذا فإنه يتخذ مواقف تعبر عن مرارات شخصية. وعلى الرغم من مواقف الاتحادي التي توصف بالمتناقضة إلا ان كثيراً من المحللين يرون ان زعيم الحزب الاتحادي لا يقبل على خطوة باتجاه إسقاط النظام، وبالتالي لن يسمح لأحد قياداته السير في ذلك الطريق. أما الترابي فستكشف الأيام القليلة المقبلة ما إذا كان وحسنين يستطيعان بالفعل إسقاط النظام. نقلاً عن صحيفة الرأي العام 26/7/2011م